لا ينكر أحد إطلاقاً أن كرة القدم، كصناعة، مرت بظروف عاصفة على مدار السنوات الأربع الماضية. خلال تلك السنوات لم تجد الأندية دخلاً من جماهير متعطشة تسافر وراء فرقها فى ربوع المحروسة، ومع إلغاء الدورى وعدم استكماله فى بعض المواسم لم تجد الأندية حتى دخلاً من البث الفضائى وكانت بأمس الحاجة إليه لدفع رواتب اللاعبين دون مسابقة، اللهم إلا الأهلى والزمالك فى مشوار البطولات الأفريقية. لكن.. لم تكن الأندية وحدها المتضررة. فهذا حال مصر فى السنين الأربع الماضية فى كل قطاعاتها. خسرت السياحة. تأثرت الأعمال. شركات بأكملها «جابت درفها». ومن هؤلاء المتضررين الإعلام الخاص. وعانى اتحاد الإذاعة والتليفزيون من مشكلات أدت إلى ارتفاع رواتب العاملين فيه بحوالى 250٪، مما يعنى أنه لم يعد ينتج أى شىء، واعتقد بعض موظفيه أن الحرية فوضى، فترك المصورون كاميراتهم أثناء مباراة فى الدورة الرباعية المجمعة نهاية الدورى قبل شهرين أو ثلاثة، مكبدين ماسبيرو والقنوات الفضائية خسائر هائلة لمجرد أن مصور كرامته أوجعته فتضامن معه زملاؤه. لكن ماسبيرو والتليفزيونات الخاصة أنفقت على مسابقات لم تكتمل ودورى من مجموعتين وُلد ميتاً بسبب كارثة استاد بورسعيد التى راح ضحيتها 72 من مشجعى النادى الأهلى رغم أنهم جميعاً كانوا يخسرون. لماذا إذن يفعلون ذلك؟ لأنها رسالة، فالكرة المصرية، شأنها شأن الدراما والسينما وغيرهما، مرت بالصعب، وكان لزاماً على القنوات الوطنية أن تقف وتدفع فى منتج كروى سيئ شأنه شأن أمور أخرى كثيره بهدف إبقاء الكرة على قيد الحياة وعدم تركها غنيمة لقنوات غير مصرية. فالكرة المصرية يشاهدها المصريون على قنوات مصرية بمعلقين ومذيعين ومراسلين ومحللين مصريين. هذا ما يحدث فى كل مكان فى العالم. الدورى يذاع محلياً قبل أن يباع لأى قناة خارجية، وكانت القناة العربية الوحيدة المهتمة، خاصة فى زمن الإخوان، هى الجزيرة الرياضية. إذن كان موقف ماسبيرو والفضائيات واضحاً، وخسروا كثيراً فى الفارق بين الإعلانات وثمن بث الدورى لغاية وطنية. وحينما ظهرت مؤخراً شركة خاصة تشترى حقوق البث من الأندية المصرية كلاً على حدة وتحت وطأة الحاجة، وقّع 13 من الأندية عقوداً مع تلك الشركة. غير أن حسن النية كان قاتلاً، إذ لم تسأل تلك الأندية الشركة التى دخلت ووقعت مع ثلاثة عشر نادياً دون أن يرصدها الرادار: أين ستبثون الدورى؟! هنا تكمن المسئولية الوطنية، ولا ملام على أى ناد وقّع مع تلك الشركة. كل العاملين فى مجال الكرة يلومون القنوات المصرية لعدم سداد كامل التزاماتها. ولكن هذا هو الحال فى قطاع الدراما وغيره. الجميع له مستحقات، فالقنوات لها حقوق عند المعلنين، والمنتجون لهم مستحقات عند القنوات، واللاعبون والممثلون لهم حقوق عند الأندية والمنتجين. تحملت القنوات خسائر السنين الماضية راضية أملاً فى التعويض بانتظام المسابقة، واحتاجت الأندية أموالاً، فوقعت مع الشركة الخاصة. لكن رغبة الشركة فى البيع خارج مصر، ولدينا معلومات من مطبخ القناة التى ستشترى، هى العقبة الكأداء. ولهذا آثرت أندية الأهلى وسموحة والمقاولون والمقاصة ودجلة وبتروجت ودمنهور التوقيع مع اتحاد الإذاعة والتليفزيون متضامناً مع القنوات المصرية الخاصة، وهو ما قسم بث الدورى لأول مرة فى تاريخ مصر إلا على شاشة اتحاد الإذاعة والتليفزيون. الأسئلة المهمة الآن: كيف سمح اتحاد الكره بما حدث؟ ضعف أم ترهل؟ ولماذا لم يقنع الأندية بالبيع الموحد؟ وأين كانت الدولة؟ ولماذا يسكت الصحفيون وأساطين الاستوديوهات التحليلية؟ الدورى المصرى تفرّق دمه بين القبائل.