قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، إن هناك فرقًا كبيرًا بين التعلم في الأزهر الشريف ضِمن منظومةٍ متكاملةِ الأطراف مِن أستاذ وتلميذ ومنهج وكتاب وجو علمي رصين ثابت منذ مئات السنين، وبين خوارج العصر الحديث الذي ابتُلِينا بهم في زمننا هذا. وأضاف "جمعة"، في بيان له: "تعلمنا في الأزهر الشريف ما لم تتعلمه الدواعش والقاعدة والسلفية وكل مَن تدين دون أن يسلك تخصص علوم الدين". وتابع: "مجموعة مِن القواعد هي التي فرقت بيننا وبينهم، وهي التي تفرق بين الدين الصحيح -وهو مبهِرٌ لكل البشر إذا علِموه وعرفوه- وبين الدين المغلوط الذي هو نتاج خاطئ لنصوص صحيحة، وهذه هي البلية العُظمى والسبب في رفضنا للدواعش منهجًا وسلوكًا وعقيدًة وأخلاقًا". وأوضح "جمعة"، أن هناك فرقًا بين ظواهر النصوص وبين تفسيرها، وهناك فرق بين العلم كمنظومة وبين المعلومات، وهناك فرق بين علم الدين -وهو كأي علم يحتاج إلى أستاذ ومنهج وبحث ونظام وعلوم مساعدة وزمان طويل في الدرس- وبين المعلومات التي يكمل أحدهمِ من عقله ومن عنده ما لم يفهمه منها، وهو كالفرق بين العطار والصيدلي، وللأسف فإن كثيرًا من الناس في العصر الحالي يُجِيز هذا البلاء ويقبله في جانب الدين ولا يقبله في جانب العلوم التجريبية، ولقد بُحَّ صوتنا في محاربة هذا التوجه الذي يجيز لغير المتخصصين في علوم الدين أن يتصدروا قبل أن يتعلموا وأن يتكلموا قبل أن يتفهموا". وأشار إلى أن "الإرهابيين والمتطرفين مِن داعش والقاعدة والخوارج -وهم جميعًا أسماء مختلفة لحقيقة واحدة– يجهلون في مجملهم اللغة العربية في مفرداتها وتراكيبها وحقيقتها ومجازها بصورة يرون فيها الحقّ باطلًا والباطل حقا، ويشرع الإرهابيون في دعوى الإجماع ولا يعرفون الفرق بين الظني والقطعي ولا بين الخاص والعام، ولا بين المطلق والمقيد، ومِن هذا كله اتبعوا أهواءهم، ولم يتبعوا الشرع في نفسه، وافتقد هؤلاء الإرهابيون تربيةَ المشايخ النفسية والعقلية، فتحول عندهم الدينُ إلى ظواهر قبل أن يكون معاني، وعندهم اكتفاء عجيب بمصدر مِن مصادر الدين يتمم ذلك على هواهم وطبقًا لمقرراتهم التي جعلوها أصل الدين وأساسه، والصواب أن تكون هذه المقرراتُ تابعةً للدين وليست حاكمةً عليه، ومن أجل هذا كله اختلفنا معهم وسنظل على تعليمهم وحربهم في ذات الوقت". وأكد أن نهضة الأمة لن تعود إلا بالتعليم الصحيح، وخاصة تعليم اللغة العربية؛ فهي لغة القرآن الكريم، وهي لغة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهي أحد المفاتيح لتفسير القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة مِن ناحيةِ دلالات الألفاظ، ومِن ناحية التراكيب اللغوية، ومِن ناحية معرفة العام من الخاص والمطلَق مِن المقيد، وبدونها لا يمكن الوصول إلى الفهم الصحيح للنصوص الشرعية، ولذلك هناك من يريد أن يتلاعب بالدين مِن فِرَقِ الضلالة عبر العصور تبدأ بإنكار اللغة العربية حتى تصل إلى ما تريد، فمِن علامات ضلالة الفكر إنكار اللغة دلالة وبلاغة وتركيبًا.