على مدار ألف عام أو يزيد، كان دائمًا ما يجتمع بعض من الباحثين ليجتهدوا فيما يخص الدين الإسلامي، وكان بعض اجتهاداتهم محمودة.. منهم من اجتهد بدافع العبادة والإخلاص، ومَن اجتهد بدافع السلطوية والتوسعية، ومَن اجتهد بدافع ما حدش يعرفه غيره! المهم إن هؤلاء الباحثين لم يظهروا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وإنما ظهروا بعده، لذلك أصبح الإسلام دينًا وعلمًا، فهناك من كرَّس دينه لخدمة سلطانه وعمل من أجل ذلك، ومنهم من كرِّس دينه لخدمة معتقداته الشخصية وكلها اجتهادات، لكن وبكل أسف نجد أنفسنا في الآونة الأخيرة نحوِّل الاجتهادات إلى ثوابت، ونحوِّل المجتهدين إلى علماء، وذلك لأن ثمة تيارًا ما دفع الأمة الإسلامية لمغالبة العقل على النقل، بحجة أنه ليس لدينا القدرة الثقافية والعلمية التي تسمح لنا بالاجتهاد، هذا التيار تناسى تمامًا قيمة العقلية النقدية ودورها في إحياء المجتمعات، العقلية النقدية التي أدركها فلاسفة الغرب وعلماؤه؛ مثل جاليليو وأرسطو، فسطعت شمس الحريات لتنير عقولًا أظلمها الاتِّباع. وعلى مر التاريخ المعاصر حاول الكثيرون لفت أنظارنا لقيمة التدبر والتعقل في الدين، مثل ابن رشد ومحمد عبده وعلي عبدالرازق وغيرهم، ولكن التيار النقلي كان أشد وأعنف وأسرع تأثيرًا على عقول البسطاء، حاول فرج فودة ونصر حامد أبو زيد، ولكن الأول قُتل والأخير تم تهجيره وتهديده، فضلًا عن ملايين تم سفك دمائهم تحت راية جهادية تكفيرية متغطرسة. أما آن الأوان لندرك بأن ثمة شيئًا لا بد و أن يتغيَّر؟؟ أما آن الآوان لنحدِّث خطابنا الديني؟؟ الزمان والمكان قد تغيَّرا، هناك ما تغيَّر في التفاسير أيضًا، لن تجدي الفتوحات الداعشية ولن تصنع مجدًا ولا إسلامًا وإنما الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وحسن الخلق، معجون الأسنان أنسب من السواك في التخلص من بقايا الزيوت المهدرجة والدهون المشبعة التي لم تكن موجودة في زمن السواك، فلتتخيل عزيزي القارئ أن هناك مَن يتبعك عن اقتناع بمبادئك وبما تنادي به، بينما هناك من يتبعك دون أن يتدبر فيما تنادي.. أيهما أفضل؟؟ هكذا هو الله يريدك متدبرًا عاقلًا وليس متَّبعا فاقد البصيرة والعقلية، ويبقى السؤال.. بعد أن مرَّت مصر بمراحل شبه داعشية وأدرك الناس أهمية تحديث الخطاب الديني، أين الأزهر؟؟ أين منارة الإسلام؟؟ هل ستعلن يومًا الحرب على التيار الرجعي المتشدد أم سترعاه تدريجيًا بصمتها؟!! أين مسؤوليتكم تجاه الأمة الإسلامية بل العالم أجمع؟! ألم يأن الآوان لاستجماع قواكم وتحديث مناهجكم ومنهاجكم ؟؟ وحتى إن كانت إجابة تلك التساؤلات هي الصمت المطلق- كحال تساؤلات المصريين على مر السنين- فلا يجب أبدًا أن تصمت العقول خشية التكفير.