لا يستطيع أحد أن يقفز على دور الفرس فى نشر التشيع وهو يتتبع المحطات الفاصلة فى رحلة الدم بين السنة والشيعة. فمن المعلوم أن الإسلام زحف خلال عهد عمر بن الخطاب على الكثير من الدول والإمبراطوريات المتاخمة للجزيرة العربية، وكان من أهمها دولة الفرس التى فتحها المسلمون (عام 14 ه) بعد معركة «القادسية» الشهيرة التى واجه فيها جيش المسلمين بقيادة «سعد بن أبى وقاص» جيش الفرس بقيادة «رستم». وحقائق التاريخ تقول إن ثمة منافسة نشبت ما بين المسلمين العرب، والوافدين الفرس ممن أسلموا وأطلق عليهم العرب «الموالى». وليس فى الإمكان أن نقلل من دور العصبية فى الحياة العربية، فقد لعبت دوراً أساسياً فى تهميش دور الأنصار فى الحكم بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، حين حاججهم أبوبكر بحديث النبى «إن العرب لن تخضع إلا لهذا الحى من قريش»، كما لا نستطيع بحال أن ننفى أن المسلمين الأوائل ممن انتموا إلى قوميات أخرى غير عربية اجتهدوا فى الذوبان فى العرب، وحبب النبى صلى الله عليه وسلم إلى العرب احتواء أبناء القوميات الأخرى من المسلمين، وكان من بينهم «سلمان الفارسى». يحكى «ابن الأثير» أن «سلمان الفارسى» هو الذى أشار على النبى صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق «يوم الأحزاب» وقسم الخندق بين المسلمين، فاختلف المهاجرون والأنصار فى سلمان، كل يدعيه أنه منهم، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «سلمان منا، سلمان من أهل البيت».. «سلمان من أهل البيت» تلك هى العبارة التى وصف بها النبى هذا الصحابى الجليل الذى كان من ضمن أهل المدينة وأسلم بعد هجرة النبى إليها، أى يمكن وصفه بأنه كان من الأنصار الذين انحاز أغلبهم إلى على بن أبى طالب عندما احتدم الخلاف بين المسلمين على تسمية الخليفة بعد وفاة النبى. كان من الطبيعى أن يكون هواه مع أهل البيت انطلاقاً من وصف النبى صلى الله عليه وسلم له بأنه منهم. ويحكى ابن الأثير أيضاً أن زهير بن القين (وهو أحد من انحازوا للحسين عند خروجه إلى العراق) قال: «قال لنا سلمان الفارسى: إذا أدركتم سيد شباب أهل محمد فكونوا أشد فرحاً بقتالكم معه بما أصبتم اليوم من الغنائم». كأن انحياز الفرس إلى آل بيت النبى قديم، وقناعتهم بأحقيتهم فى الحكم والخلافة يرتبط بأول فارسى أسلم (سلمان)، وأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «سلمان منا أهل البيت». وقد دخل الفرس الإسلام بعد معركة القادسية، منهم من حسن إسلامه ومنهم من أظهر غير ما يبطن، لكن تعاطفهم مع أهل البيت كان واضحاً فى كل المواقف، وعطف أهل البيت عليهم كان جلياً أيضاً. وكما تعلم فإن قاتل عمر بن الخطاب رضى الله عنه هو الفارسى «أبو لؤلؤة المجوسى». وكان واحداً ممن يطلق عليهم العرب «العلوج» الذين يعيشون على تخوم المدينة. والعِلج فى اللغة العربية معناه «الحمار الوحشى» وهو لفظ يقال فى وصف الشخص شديد الجفاء والغلظة، وكان أكثر العلوج من الفرس الذين تم أسرهم بعد موقعة القادسية التى زلزل فيها سعد بن أبى وقاص ملك كسرى، أو تم استجلابهم للعمل لدى كبار أهل المدينة، وقد دخل بعضهم الإسلام. وتعكس التسمية نظرة العرب «الاستعلائية» إلى هؤلاء الأعاجم. وقد توازى مع هذه الدونية طبيعة الأعمال التى امتهنها هؤلاء «العلوج»، إذ كانوا يعملون فى الصناعات اليدوية كالحدادة والنجارة وغيرهما، وهى تلك الصناعات التى تعلموها وأتقنوها فى البلاد التى وفدوا أو استوفدوا منها. وتحتشد كتب التاريخ الإسلامى بالكثير من الأحداث التى ترسم صورة شائهة لهؤلاء «الصناع»، خصوصاً فيما يتعلق باستخدامهم فى عمليات الاغتيال أو العدوان على الآخرين. قُتِل عمر بن الخطاب رضى الله عنه على يد واحد من العلوج الذين كان يحب العباس وابن عباس الاستكثار منهم، وهو ما قاله «عمر» لابن عباس بعد أن طعنه «المجوسى»: «قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة، وكان العباس أكثرهم رقيقاً، فقال: إن شئت فعلت، أى إن شئت قتلنا، قال: كذبت بعد ما تكلموا بلسانكم وصلوا قبلتكم وحجوا حجكم». ولعلك تعلم أن هناك قبراً رمزياً تم تشييده للمجوسى «أبولؤلؤة» فى إيران تشير بعض المواقع إلى أنه قد تم إغلاقه عام 2007 بعد تدخل الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين. والمؤكد أن بناءه تم لتحقيق أهداف رمزية معينة، فمن المعلوم أن «أبا لؤلؤة» قتل نفسه بخنجر بعد أن طعن عمر بن الخطاب، والأرجح أنه دُفِن بالمدينة.