أصوات لاعبى النرد تختلط بصخب حماس مذيع رياضى عبر تلفاز على رصيف المقهى، يلتف حوله الزبائن، وعلى مسافة من الجالسين، وبجوار صندوق من الصاج يجلس عاقد القدمين، يقلّب نظره بين الوجوه الجالسة إلى جواره، وفوق هامته لافتة متربة مكتوب عليها «جولد ستار» بالعربية والأجنبية، ورغم ملازمته للمكان واللافتة، لسنوات طويلة فإن العزيز فتحى عبدالعزيز، صاحب المقهى، يقول «والله معرفش يعنى إيه جولد ستار، واسمها ده كان اسم المطعم إلى كان قبلها، وصاحب المطعم القديم اللى سماها كده، وانا سيبته عشان الرخصة والضرايب، ولا أعرف الاسم بيدل على إيه، ولا معناه إيه، ولو علىّ مش هسمّى الاسم ده». 7 سنوات من العِشرة بين «عبدالعزيز» والمقهى، منذ كان محلاً مهجوراً ل20 عاماً، حتى انتقل الرجل الذى يرث المهنة أباً عن جد، ليفتح باب رزق جديد فى ذلك المحل المهجور، ولم يتصور أن يكون هذا المحل مقهى فى يوم من الأيام مثل المقهى الآخر الذى يديره واسمه «المنظر الجميل» على رأس شارع نوبار، الملاصق لوزارة الداخلية، الذى ورثه عن والده، وشهد جلسات لعدد من الضباط الأحرار، اعتادوا التوافد عليه بين الحين والآخر قبل ثورة 23 يوليو، وما زال يحتفظ بصور والده بينهم فى المقهى القديم فى منزله، ومرت السنوات حتى شهد المقهى الثانى «جولد ستار» تجمع شباب ثورة يناير، ونشطاء الحركات والتيارات السياسية، فتحول «جولد ستار» إلى حاضنة لميلاد حركة تمرد. «فتحى»، من مواليد عابدين، ويقول عن نشأته فيها: «ساكن فيها حتى الآن، ومهنة القهوجية مهنتى أباً عن جد». وعن المقهى واحتضانه للنشطاء منذ 25 يناير يقول: «كانت الأمور ماشية طبيعى بعد الثورة، إلا فقط ساعة موقعة الجمل»، ولم يتخوف «عبدالعزيز» وشقيقه من أى مشكلات يتسبب فيها وجود النشطاء السياسين على المقهى باستمرار، وحين تشتعل الأحداث يكتفى فقد بإغلاق المقهى ويقول: «بنخاف فبنقفل القهوة لأننا مش عارفين مين بيضرب مين، عشان نحافظ على حاجتها وأكل عيشنا». يراقب «فتحى» التحولات السياسية من خلال جلسة تجمع النشطاء على مقهاه الذى تحول إلى منتدى سياسى، يظهر من خلاله التوجهات السياسية، والانشقاقات داخل الحركات من قبل أن تكتبها الصحف أو تعلنها وسائل الإعلام، ويقول: «فى 25 يناير المجلس العسكرى مسك، وبقى كله بيتكلم فى السياسية، ونشطاء كتير توافدوا على القهوة، 6 أبريل وكفاية والعديد من القوى الثورية، من التى ظهرت فى 25 يناير، واستمروا بالتوافد حتى حكم محمد مرسى». بمرور الوقت زاد تردد النشطاء على المقهى، وظهرت أشكال جديدة للحراك الثورى ضد الرئيس الإخوانى، وظهرت «تمرد» التى لم يكن يعرف «عبدالعزيز» أنها خرجت من رحم المقهى العتيق الذى ورثه عن أبيه، ولا يعرف أن فكرتها وُلدت فى إحدى الجلسات على أحد كراسى المقهى القديمة، ويقول عن ذلك «ظهرت تمرد، وكان شباب تمرد يجلسون باستمرار على المقهى عندنا، وكنت أؤيد وجودهم وسعيد بهم لأنهم ضد حكم الإخوان الفاشل». ورغم كل الثورية التى تلوّن بها صاحب المقهى فإنه انتخب المرشح أحمد شفيق فى الإعادة مع محمد مرسى، بعد انتخابه لحمدين صباحى، فى الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة قبل الماضية، ثم منح صوته للسيسى فى آخر انتخابات رئاسية. ومن مراقبته للتحولات السياسية للنشطاء، والانشقاقات والاختلافات، فقد «عبدالعزيز» الثقة فى القوى الثورية، ورفض التوقيع على استمارة «تمرد» عندما قدمها له أحد الجالسين على المقهى من أعضاء الحركة، ويقول: «بعد انشقاق 6 أبريل لنصين؛ جزء مع الإخوان وجزء مع تمرد فقدت الثقة فيهم»، لكنه وقّع على «تمرد» لسحب الثقة من الرئيس المعزول الذى وصفه ب«الفاشل»، بعد أن ذاع صيتها وقدمها له أحد أصدقائه المقربين، وطالبه بالتوقيع عليها. بعد انتخابه للسيسى والمشاركة فى 30 يونيو، يرفض «عبدالعزيز» حالياً الدخول مع النشطاء فى جدال حول الأحوال السياسية، فاختلافه سياسياً معهم وفقدان الثقة فيهم، حوّل علاقتهم التى بدأت بالنقاش فى أحوال البلد والثورة ومطالب الحرية إلى الاكتفاء بالنقاشات الحميمة دون النقاشات السياسية. بدأ القلق يتسلل إلى نفس «عبدالعزيز» بعد عزل الإخوان. الحديث عن السياسية على المقهى فى وسط اللغط الحادث أصبح يمثل له مصدر إزعاج، حتى إن وجود النشطاء أنفسهم على المقهى بات جزءاً من هذا الإزعاج. ويقول: «وجود النشطاء هنا بقى عامل قلق على أكل عيشى، وكل يوم بنسمع عن القبض على الناس من القهاوى ولكن ماشفتش حاجة حصلت على قهوتى». وكما فقد صاحب المقهى الثقة فى النشطاء، فقد أيضاً العديد من المترددين عليها من شباب الثورة الثقة فى المقهى، واعتبروها مصيدة للشرطة لتتبع النشطاء، ومن على مقهى آخر لا يبتعد كثيراً عن «جولد ستار». وبضحكة ساخرة، يقول محمود يحيى، الذى يعمل مدير مبيعات شركة أدوية، عن طبيعة القهوة: «موقعها مميز والمشاريب عليها رخيصة، والمنطقة المحيطة بها تستطيع استيعاب أكبر عدد من المتوافدين، وقربها من محطة المترو كانت أكتر أسباب التفاف الشباب حولها». لكنها تحولت إلى ملتقى لمن سماهم «ثوار الإخوان» لما لهم من هدف هو إسقاط نظام الإخوان ليس إلا، وليس لهم أى هداف تتصل بأهداف ثورة 25 يناير، بخلاف عملاء الأمن الذى باتوا يستخدمون المقهى لتتبع النشطاء السياسين والثوار. «يحيى» لم ينتم لأى أحزاب أو حركات، يجلس على قهوة «جولد ستار» من 2011، من بعد ثورة 25 يناير، وإلى جواره عدد من المجموعات الثورية المصرية من 6 أبريل إلى شباب العدالة والحرية، ومجموعة ثورة الغضب الثانية، والاشتراكيين الثوريين، لما لها من موقع مميز فى شارع صبرى أبوعلم، والمساحة المحيطة بها كبيرة تستوعب عدداً من المتوافدين فضلاً عن قربها من مترو الأنفاق. شارك «يحيى» فى العديد من الفعاليات التى انطلقت من المقهى، والعديد من الحركات بدأت نشاطها فيها، فكانت أشبه بمنتدى يجمع كل الحركات الثورية، وعمل حلقات نقاش غير منظمة، تجمّع فيها تيارات شبابية ثورية مختلفة، وحملات توعية سياسية، مثل حركة «شباب مصر للتوعية»، وحركة «قوم يا مصرى الفقير جعان»، وحملات ضد المجلس العسكرى بعد الثورة. قبل 30 يونيو بشهرين، وبعد انسحاب الشباب الثورى من حول المقهى، كان الناشط حسن شاهين أحد المترددين عليه، وكانت معظم جلسات شباب «تمرد» على المقهى، بعد أحداث المقطم، والاعتداء على النشطاء أمام مكتب الإرشاد، تتمحور حول ضرورة إنجاز عمل سياسى شعبى. وفكر الشباب فى الدعوة لمظاهرة أمام دار القضاء العالى بعنوان «مبنتهددش» وبعد نجاح المظاهرة، توجه حسن كبقية الشباب الثورى إلى قهوة «جولد ستار»، وفى إحدى الجلسات ظهرت فكرة جمع استمارات سحب الثقة من الرئيس محمد مرسى، على غرار الجمعية الوطنية للتغيير فى عهد «مبارك» والوفد فى عهد الاحتلال. ويقول حسن شاهين ل«الوطن»: «طالبونى بوضع رؤية سياسية للفكرة، وخرجت من القعدة دى على مقهى جولد ستار، وكتبت رؤية سياسية، وطرحتها على وليد المصرى الذى شاركنا فى الحملة بعد ذلك، واقترح وليد فكرة كارت أحمر للرئيس، ولكن فى أول جلسة فيها، وفى أول قعدة فى شقة بمنطقة البحوث طرحت اسم تمرد». بعد ظهور حركة «تمرد» عاد المقهى إلى سابق عهده، جاذباً للنشطاء وحاضناً لفعالياتهم وحواراتهم، ويفتخر صاحب المقهى والعاملون فيه بأن قوات الأمن لم تلقِ القبض على أحد النشطاء من المقهى، ، وهو ما حدث فى عدد من المقاهى المجاورة، رغم توصيات دائمة من أمناء الشرطة له بالضرورة بإبلاغهم بأى مشكلة أو قلاقل يسببها النشطاء وأعضاء الحركات الثورية على المقهى أو فى محيطه. يقول أحدهم: «قالولى لو حسيت بأى حاجة كلمنا على طول». الآن، يسود الارتياح أجواء المقهى، بعد انتهاء إحدى مباريات كأس العالم، ومعه يسود الارتياح صدر محمد أبوذكرى، محام فى مرصد «صحفيين ضد التعذيب»، وأحد ذوى الاحتياجات الخاصة، ويقول: «من 2008 بنزل وسط البلد بقعد على قهاوى، بدأت على البورصة لحد 2010 أو 2011، بدأت أغير المكان من البورصة، بقيت أقعد على جولد ستار، لأن كل فترة بحاول أغيّر مكان وجودى لأن الوجود فى مكان واحد بتحس إنك متراقب طول الوقت». يرتبط جلوس «أبوذكرى» على مقهى «جولد ستار» فى 2010 باعتصام المعاقين أمام مجلس الشعب، وبات يتردد ما بين المقهى والاعتصام، ولكن فى منتصف عصر الإخوان يزداد التردد عليه، وتجتمع طاولات المتوافدين فى نقاشات بين المجموعات الثورية لإيجاد الحل، بسبب كراهية الإخوان. ويقول «أبوذكرى» إن «المنتدى السياسى على مقهى جولد ستار كان فى أغلب الأحيان يتخلله عناصر غير مرغوب فيها، ممكن نقول عناصر أمنية أياً كان شكلها، وجود عنصر أمنى فى وسط مجموعة مظنش إنه ممكن يكون وارد إن يطلع منه حاجة كويسة، أنا مش عارف تمرد صح ولا غلط وقتها حتى، أمنية ولا حركة شعبية، أنا مش عارف أقيّمها، لكن الواقع بيقول إن فى النهاية «تمرد» الشعب انضم لها، أياً كانت هى بقى أمنية أو حركة شعبية فالشعب انضم لها، مش قادر أتخيل هى صح ولا غلط، مش قادر أتخيل البيئة اللى كانت فيها كانت حقيقية ولا كانت خدعة واتخدعنا فيها». أخبار متعلقة تمرد «الورقة» التى أسقطت الإخوان الطريق إلى «30 يونيو»: 22 مليون «لا» فى وجه جماعة الدم والإرهاب حسن شاهين: «السيسى» رفض عزل «مرسى».. و«صبحى» أصر مع الشباب على رحيله د. يحيى القزاز يروى ل«الوطن» تفاصيل مولد الحملة رئيس حزب النور ل«الوطن»: إذا عاد بنا الزمان إلى 30 يونيو الماضى لاتخذنا نفس القرارات محمود بدر: «تمرد» لم يكن لها أى علاقة بالمخابرات