اعترافان لا بد من البدء بهما. الأول أننى عاصرت فى منتصف القرن الماضى مبنى البلدية بدمنهور. كان الدور العلوى مكتبة البلدية. والأرضى سينما البلدية. التى جرى تغيير اسمها لسينما النصر الشتوى. وكان هناك سينما النصر الصيفى. قبل أن تغلق وتعانى دمنهور من غياب المكتبة والسينما معاً. الاعتراف الثانى أنه فى سنة 2007 عندما أُعلِن عن تحويل أطلال سينما البلدية القديمة لدارٍ للأوبرا. كتبت وقتها متشككاً. فى أن تكون الأوبرا ذات جدوى فى مدينة مثل دمنهور. وأن الجماهير يمكن أن تقبل على فنون الأوبرا الرفيعة. خصوصاً الجماهير التى يمكن أن تأتى من مراكز البحيرة: إيتاى البارود، كوم حمادة، الدلنجات، المحمودية، أبوحمص، أبوالمطامير، كفر الدوار، ورشيد. فضلاً عن سكان القرى التابعة لهذه المراكز. ولكن لدىَّ شجاعة الاعتراف بأن رفضى لحلم أوبرا فى دمنهور كان خطأ. يوم الجمعة الماضى شهدت احتفالاً فى أوبرا دمنهور. كان مخصصاً للموسيقى العربية. وسعدت بلا حدود عندما شاهدت المقاعد ممتلئة عن آخرها. لا يوجد مقعد واحد خال. وكلهم اشتروا التذاكر التى تراوحت أثمانها بين العشرين والخمسة وعشرين جنيهاً. وهو مبلغ معقول ومقبول بالنسبة للقدرة الشرائية «للبحاروة». وأوبرا دمنهور لا تعرض فنون الموسيقى. ولكنها تقدم الأمسيات الشعرية. وفيها صالون ثقافى ونادٍ للسينما سيقدم عروضاً سينمائية شهرياً. وأهمية نادى السينما أن دمنهور رغم أنها مدينة مهمة وعاصمة محافظة مترامية الأطراف تصل حدودها من القاهرة إلى الإسكندرية، بطول الدلتا. لا توجد فى دمنهور عاصمة المحافظة ولا فى مراكزها دار سينما واحدة. مما يجعل لنادى السينما فى أوبرا دمنهور دوراً حيوياً ومهماً. خصوصاً أن من تقاليد الأوبرا فى نادى السينما بأوبرا القاهرة أن يُعرض فيلم ويُعَقِّب عليه ناقد متخصص سيكون أول النقاد الدكتور رفيق الصبان. قبل ذهابى إلى أوبرا دمنهور كنت أتصور أن جهود الدكتورة إيناس عبدالدايم وجهادها فى القاهرة فقط. ولكنها امتدت إلى أوبرا الإسكندرية. حيث أقامت فى الصيف الماضى مهرجاناً للموسيقى العربية. تابعه المصطافون وأهل المدينة سواء كانوا مصريين أو عرباً. وكان الحضور فى المهرجان السكندرى الصيفى كثيفاً لدرجة أنهم اضطروا لوضع مقاعد إضافية. علاوة على الموجودة. وها هى تعيد الأضواء إلى أوبرا دمنهور. ما زلت أذكر أن صلاح جاهين فى إحدى أغانيه عن ثورة يوليو 1952 كان قد حلم بأوبرا فى كل قرية. وتصورت أن حلمه يندرج تحت الأحلام المستحيلة التحقيق وها هى إيناس عبدالدايم تحقق حلم صلاح جاهين المستحيل لتجعله ممكناً. وهى لا تكتفى بإخراج أوبرا دمنهور إلى الوجود. بل تفكر فى مدن أخرى فى مصر. تتساءل: لماذا لا تكون فى طنطا أوبرا؟ لماذا لا يذهب أهالى المنصورة لدار للأوبرا يشاهدون فيها الفنون الأوبرالية الرفيعة من الباليه للأوبرا للغناء؟.