ارتجت غرفة التحقيق بكثير من الجلبة والأصوات، بعض الكلمات تبينها "القذافي.ف " 48 سنة المتهم بسلسلة من جرائم القتل فى الجيزة، وبعضها الآخر مبهم وغامض. وسط الأضواء المبهرة التي تغمر الغرفة كان الرجل الخمسيني ممتقع الوجه، شاحبا ومرهقا، بدا وكأنه حط رحاله للتو قادما من سفر طويل، على الأقل رحلة عمرها 5 سنوات قطعها الرجل، بثبات، وقسوة مفرطة، وشهية مفتوحة على مصراعيها للدماء. * 5 سنوات.. نفسه ضد نفسه لم يعتد القذافي هذه الأمور، نيابة وتحقيق وسين وجيم، أعصاب مشدودة، وأسئلة فاضحة، لعله لم ينتظرها طوال حياته، أو لعله لم يتخيل ان تلك اللحظة ستوافيه، محاصرا برجال الشرطة والنيابة والأسئلة ودماء ضحاياه، أفقده الهروب السلس طيلة 5 سنوات حذره المعتاد، وها هو يقف متهما بقتل زوجته وصديقه وسيدة أخرى بخلاف ما رجحته التحريات حول وجود ضحايا جدد للرجل. مرت خمس سنوات، تحديدا منذ عام 2015، رحلة هروب لاهثة، تصل لخط النهاية بين جنبات غرفة ضيقة، وفق مصادر مطلعة، وقف الرجل بثبات، بينما يجيب على الاسئلة بتلقائية ورزانة، كان صوته عميقا، وذهنه متقدا، وكانت أصداء إجاباته تصل إليه خافتة من بعيد، مندهشة وذاهلة، هو لم ينكر شيئا، لا فائدة ترجى من التبرير والانكار،لا أمل فى نجاة مستحيلة، كل شيء ضده، التحريات، وإفادات شهود العيان، والتقارير الفنية للأجهزة الأمنية.. حتى هو.. نفسه ضد نفسه. - 2014 .. كيف بدأت الحكاية؟ يبدأ القذافي (وفقا لمعطيات أولية للتحريات والتحقيقات، وتأكيدات لمصادر مطلعة) حكايته عائدا بذاكراته إلى نهاية عام 2014، يقول ان الامرلو كان بيده ما سلك هذا الطريق، يرى أن ارتكب جرائمه مضطرا، مجرد أخطاء يراها القذافي، أخطاء صغيرة، ارتكبها هو او ارتكبها غيره، لكنها تراكمت، وتفاقمت حتى صار حلها الوحيد هو الدم. يروي أنه كان لديه صديق يعمل مهندسا خارج البلاد فى دولة عربية: "اسمه رضا وحب يشغل فلوسه في أي مصلحة، كلمني، وأنا قلت له هفكر وأقولك، ورجعت بعدها بأيام رديت عليه، وقلت له ابعت، وأنا هشغل الفلوس في العقارات"، وبالفعل بدأ في تلقي الأموال من صديقه، لكنه تعثر وتعرض لوقائع نصب، ثم قرر أن ينفق باقى الأموال بعد تدهور وضعه المادي، في الوقت الذي لم يكف فيه صديقه عن إرسال الأموال، التي كان ينفقها ويوهمه أن الأرباح في ارتفاع مستمر، وهو ما دفع صديقه إلى تحرير توكيل له مكنه من الاستيلاء على ممتلكاته العقارية والمالية. - فاطمة وأيامها السوداء لا يبدو الرجل نادما وهو يحكي عن النصف الأول من عام 2015، وتحديدا في شهري أبريل ومايو، يحكي عن زوجته "فاطمة زكريا"، يلخص حياته معها بجملة مقتضبة تسبقها تنهيدة: "فاطمة وأيامها السودة"، يحكي عنها باستخفاف وغل، كانت خلافاتهما وصلت إلى أبعد مدى، خلافات زوجية عادية واخرى مادية، أخبرها ذات يوم:" انت ولية العيشة معاك حرام". كانت زوجته تخطط للهرب بأمواله: "متخيلة إنى هطلقها وأتجوز عليها، ماشي يا فاطمة بس متسرقنيش"، يوم والثاني غادرت فاطمة بأمواله، ما يقرب من 400 ألف جنيه: "دا أنا كنت مغرقها في الدهب والفلوس" بطريقة ما وصل الى مكان فاطمة، كان يداهنها للعودة اليه، لكنها رفضت، حتى تدخلت اسرتها وتم اقناعها بالعودة :" بس مرجعتش الفلوس"، يقول انه ظل صابرا ومتحملا لعلها تعود الى رشدها:" بس هى قالت امسكه من ايده اللى بتوجعه" - عودة غير متوقعة وحل أخير فى تلك الايام فى شهر ابريل من عام 2015 تحديدا، عاد صديقه رضا، كانت عودة مفاجئة بعد 20 سنة من الغياب، اربكت حسابات القذافى المعقدة أصلا، اين اموال رضا؟ اين ممتلكاته؟ اين شقى العمر؟ أين الأمانة يا صاحبى ؟ اسئلة واسئلة ، مشانق احش القذافى انها معلقة فى انتظاره.. كانت الاجابة هى : الدم .فى شقته ببولاق الدكرور دعا القذافى صديقه رضا للعشاء، قال له :" هنتعشى ونقعد نتحاسب" ، جهز القذافى العشاء بنفسه لصديقه، لم ينس دس جرعة قاتله من السم، تسللت فى امعاء صديقه ، واشعلته جوفه نارا، لم يستغرق رضا وقتا، حتى سقط على الارض يتلوى من الألم، اشعل القذافى سيجاره وجلس يراقبه وهو يحتضر.فى غرفة اخرى بالشقة كان القذافى حفر حفرة عميقة، سحب جثة صديقه والقاها فى داخلها واهال عليها التراب، ثم دخل الحمام ، واغتسل ،ونام ليلته. * الدور على فاطمة "فاطمة مكانتش ناوية تجيبها البر".. يقول القذافى وهو يتذكر ما حدث فى شهر مايو من عام 2015 ، كان يتوق الى راحة مماثلة للراحة التى شعر بها عقب قتل صديقه رضا، قال لنفسه:" فاطمة مش اغلى من رضا" ، ظل يفكر فى طريقة للتخلص منها، قام بدس مخدر لها فى الطعام ، يبتسم وهو يحكى انه كان عشاء رومانسيا، انتهت منه الزوجة وهى تترنح:" قلت هسيبها تتعب اعصابى" فأمسك برأسها ورطمع فى الحائط فسقطت جثة هامدة. كان الطقس وقتها حارا، درجة الحرارة العالية، تعجل بسرعة تفاعلات تحلل الجثة:" شيلتها وحطيتها فى الفريز" يقول :" الفريز ده كانت جايبه هدية ليها" ثم توجه الى غرفة اخرى فى شقته ببولاق وحفر حفرة عمقها مترين ودفنها واهال عليها التراب:" دفنت معاها صيغتها عشان تعرف ان الكلام ملوش لازمة فى الاخرة""مفيش حد مراته تغيب ويقعد يتفرج"، لهذا السبب توجه القذافى الى قسم الشرطة وابلغ عن اختفاء زوجته، ولم تصل التحقيقات لأى شىء. * القتيل يعود للحياة ويتزوج انتحل القذافى شخصية صديقه القتيل، وتعايش باسمه الجديد وسافر عقب ذلك إلى الإسكندرية، وانتحل صفة القتيل، وتزوج من عدة سيدات من بينهن طبيبة، للنصب عليهن وسرقتهن، حتى قرر قتل اخر زوجاته بوضع السم لها في الطعام، ثم اعتدى عليها محاولا قتلها واستولى على مصوغاتها الذهبية، إلا أنها نجت من الموت، وأبلغت رجال المباحث، وصدر حكم قضائي ضده بالسجن وتم القبض عليه. * 3 ضحايا فى مقبرة بولاق فجرت تحريات أجهزة الأمن في الجيزة، مفاجأة خلال التحقيق مع سفاح الجيزة، بعد اعترافه بقتل زوجته وصديقه قبل 5 سنوات ودفنهما داخل شقته في بولاق الدكرور وهم زوجته الثانية وصديقتها وشقيقها، ومحرر ضده محاضر سابقة بتلك الاتهامات، حيث يجري التحقيق فيها مجددا. واصلت التحريات مفاجآتها في تلك القضية عقب اعتراف المتهم بقتل زوجته المجني عليها فاطمة زكريا علي 34عاما، وصديقة رضا محمد عبداللطيف، ودفنهما في شقة المجني عليه الأخير في منطقة العشرين بمنطقة بولاق الدكرور، وأنه نفذ جريمة قتل صديقه أولًا وتلاها جريمة قتل زوجته فاطمة، ووضعها داخل الثلاجة "فريزر"، حتى نقلها إلى الشقة التي حولها لمدفن للضحايا. * تحقيقات مستمرة تلك الوقائع الصادمة التى نطق بها المتهم خلال اعترافه أمام المباحث على مدار 7 ساعات متصلة، قادت إلى استخراج اثنين من جثامين الضحايا، ولا تزال الأجهزة الأمنية تحقيقاتها مع المتهم بشأن تلك الوقائع الجديدة لبيان تورطه في قتل الآخرين من عدمه، والإرشاد عن أماكن دفنهم. كانت الأجهزة الأمنية قد تلقت بلاغا من شقيق المجني عليه، يطلب فيه فتح التحقيق في المحضر رقم 4332 إداري بولاق لسنة 2015، والخاص بتغيب شقيقه المهندس رضا محمد عبداللطيف 48عاما، بعد عودته بأيام من عمله في السعودية، المتهم فيه صديقه "ق. ف"، بقتله. * صدفة خلف القضبان وقال شقيق المجني عليه، إنه حتى الآن يبحث عن سر اختفاء شقيقه، وبالصدفة أشار عليه أحد أصدقائه بالبحث عنه في السجون ربما يكون محبوسا على ذمة إحدى القضايا وأضاف انه بالكشف على اسمه تبين أنه محبوس في سجن الاستئناف على ذمة قضية سرقة في الإسكندرية، وتبين أن زوجته تقوم بزيارته، وبالحصول على عنوان زوجته التي تقوم بزيارته، تبين أنها مقيمة في الإسكندرية. وتابع شقيق المجني عليه بأنه سافر إليها وبالسؤال عن شقيقه قالت له انه مسافر، فأخرج لها بطاقته وطلب منها صورة لشقيقه ربما يكون مجرد تشابه في الأسماء وكانت المفاجأة، عندما قال المبلغ إن السيدة أخرجت له صورة صديق شقيقه والذي قدم فيه اتهام بقتله وإخفاء جثته من قبل في المحضر رقم 4332 لسنه 2015 إداري بولاق الدكرور وتابع شقيق المجني عليه، بأنه على الفور اتجه إلى نيابة الهرم، وقدم بلاغا جديدا برقم 9969 إداري الهرم، وتم استدعاء المتهم من محبسه. وقام فريق بحث باصطحاب المتهم وبارشاده تم العثور على هيكلين عظميين لسيدة ورجل، وتم نقلهما إلى مشرحة زينهم تحت تصرف النيابة العامة والتي قررت إجراء تحليل البصمة الوراثية للهيكلين للتوصل لهوية أصحابهما، كما قررت بالتشريح لمعرفة سبب الوفاة وصرحت بالدفن.