استوقفتنى بعض الكلمات والمعانى فى خطابَى الرئيسين فى حفل تنصيب الرئيس الجديد المنتخب فى قصر القبة. كلمة المستشار عدلى منصور الرئيس المؤقت الذى انتهت مدة ولايته التى أحسن فيها، وكلمة الرئيس المنتخب عبدالفتاح السيسى الذى ندعو الله تعالى له بحسن الأداء. أشار المستشار منصور فى خطابه المقتضب إلى أن الشعب المصرى قام بثورتين عظيمتين هما ثورة 25 من يناير، و30 من يونيو مطالباً بحقوقه المشروعة، وأشار إلى أن الثورة الثانية جاءت لتصحيح المسار الذى انحرف بعد أن تكللت بداية ثورة 25 يناير بالنجاح. نصح المستشار منصور الشعب فى كلمته نصيحة جميلة قائلاً: «لنعلم جميعاً أنه لا أحد منا منزه عن النقص والعيوب فابحثوا فى أنفسكم عن المزايا وزكوها، وحددوا العيوب وصححوها، فالوطن لم يعد يحتمل استمرار صراعات قديمة أو تأجيج صراعات جديدة». رجل قانون ودولة، يتحدث عن تجربة عظيمة بتواضع جم. يعالج فى هذه الكلمات القليلة أموراً وقضايا شائكة عديدة: لا أحد منا منزه عن النقص والعيوب. لو فهم المكفراتية والمتشددون خصوصاً هذه الكلمة لابتعدوا عن طرق التشدد والعنف والتكفير: كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، كما قال المصطفى (صلى الله عليه وسلم). الوطن لم يعد يحتمل استمرار صراعات قديمة أو تأجيج صراعات جديدة. أقول إن الذين يؤججون الصراعات لم يعتبروا ولم يستفيدوا من الأوضاع المحزنة فى سوريا، والنظام يستجيب للضغوط فيتخلص من الأسلحة الكيماوية لصالح إسرائيل، والمعارضة أو جزء منها يطلب التدخل الأجنبى وأسلحة متطورة لمواجهة النظام، والخاسر سوريا الدولة والشعب، والمستفيد الوحيد هو إسرائيل. من يريد ذلك لمصر باسم الشرعية أو غيرها لا يعرف معنى حرية الوطن واستقلاله ووحدته، ولا يدرك الفرق بين التنافس السياسى والصراع على السلطة وفقدان الأمن، ولن يكون ذلك لمصر بمشيئة الله تعالى، بل ستبقى بإذن الله تعالى ثم بإرادة الشعب العظيم وحدة واحدة تتقدم إلى الأمام بخطى ثابتة ورائدة وزعيمة للمنطقة. اتفق الرئيس السيسى فى كلمته مع المعانى التى ذكرها المستشار منصور فى كلمته بشأن الثورتين العظيمتين، فأكد أن ثورة 30 يونيو استعادت ثورة 25 يناير وصوبت المسار صوناً للوطن ووحدته. عاهد الرئيس السيسى الشعب بالسهر على احترام السلطة التنفيذية بكل نصوص الدستور وإنجاز الاستحقاق الثالث (انتخابات البرلمان) وفق خارطة الطريق. أشار إلى القسم عند التنصيب فى المحكمة الدستورية العليا، التى كان الرئيس المعزول مرسى متردداً فى الذهاب إليها، واحتفل بالرئاسة فى ميدان التحرير قبل التنصيب بنفس القسم، ولكن الأداء يؤكد ذلك أو يكذبه. من المعانى الجميلة التى وردت فى الخطاب وتحتاج إلى تفعيل كثير، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، يتعين أن يكون العقد الاجتماعى التزاماً على طرفى العقد، الدولة ممثلة فى رئيسها ومؤسساتها وبين الشعب، واعتماد الحقيقة والمصارحة منهجاً لتطبيق ذلك العقد، وأيضاً: الثورتان المجيدتان مهدتا الطريق لأمور كثيرة منها القضاء على الإرهاب وبث الأمن فى ربوع البلاد مع صيانة الحقوق والحريات. وهى طبعاً معادلة صعبة ولكنها قابلة بل يسيرة التحقيق. مما جاء فى الخطاب أيضاً الحفاظ على حقوق الفقراء ومحدودى الدخل وتنمية المناطق المهمشة وكفالة حرية الفكر والإبداع للفنون والآداب. أمل كبير فى المستقبل عبّر عنه الرئيس المنتخب عندما قال: سنبنى بإذن الله تعالى وطننا على أسس من العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية تكفل لنا الحرية والعيش الكريم. وأقول إن هذه هى أهداف ثورة يناير التى أكدتها ثورة 30 يونيو، وأقول إن تحقيق ذلك لا يكون بالتمنى، ولكن بالعمل الجاد وتبنى منظومة قيمية وأعراف جديدة. كما قال الرئيس فى كلمته: «سنعمل معاً جميعاً من أجل أن ينعم كل مواطن مصرى بالسعادة والرفاهية فى ظل مصر الجديدة تنعم بالاستقرار والرخاء». وجاء فى الخطاب كذلك: «لنبنى معاً مستقبلاً لا إقصاء فيه لمصرى». ودعا إلى تصالح ما بين أبناء الوطن باستثناء من أجرموا فى حقه أو اتخذوا من العنف منهجاً. تطرق الخطاب كذلك إلى متطلبات تحقيق تنمية شاملة وتحديث المنظومة الأمنية والدور الوطنى المرتقب لرجال الأعمال الوطنيين الشرفاء وإصلاح المنظومة التشريعية لتحفيز قطاع الصناعة والمشروعات الوطنية العملاقة، وإقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة والنهوض بأوضاع الفلاح المصرى وتوفير الرعاية الطبية المتميزة والنهوض بقطاع الصحة وتطوير قطاع التعليم، وتحقيق طفرة خدماتية. ومن أهم ما أشار إليه الرئيس فى خطابه هذا، تصويب الذوق العام للشعب المصرى وتجديد الخطاب الدينى وبث الأخلاق الحميدة والقيم النبيلة والمثل العليا فى القلوب وغرسها فى العقول، والتأكيد على دور المرأة والشباب والجميع، وتطرق الحديث إلى مراجعات شاملة لكل أوجه آليات العمل العربى المشترك. وفى هذا الصدد أشار الرئيس إلى أن مصر أخذت على عاتقها الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينى الشقيق، وستواصل مصر مسيرتها لدعمه حتى يحصل الشعب الفلسطينى على حقوقه المشروعة ويحقق حلمه وحلم الجميع بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967، دولة مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدسالشرقية. إنها معانٍ جميلة جداً تحتاج إلى همة وعلم وخبرة.. ويبقى التنفيذ. والله الموفق