قال المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، إن ثورة المعلومات حاضرة في الربيع العربي، حيث خرج الملايين في الخامس والعشرين من يناير عام 2011، من أجل صناعة دولة الأمل، لكن سرعان ما فوجئ الملايين من أبناء شعبنا أن دولة الأمل لم تتأسس، وأن التطرف قد سرق البهجة ثم سرق الحلم، وكاد يسرق المستقبل. وأضاف محلب، أمام منتدى الإعلام العربي في دبي، اليوم، أن الإعلام الإلكتروني واحدًا من حقائق العصر الكبرى، الذي أصبحت إعلاناته تصل في بعض الدول إلى عشرات المليارات من الدولارات، وحصلت إحدى الصحف الإلكترونية على جائزة "بوليتزر" للصحافة في العام نفسه، ولكن ذلك لم يُخرج الصحافة الورقية من مكانتها، فعلى الرغم من إغلاق صحف ومجلات وتحول بعضها من ورقي إلى إلكتروني، فإن توزيع الصحف المطبوعة يوميًا يصل إلى (400) مليون نسخة على مستوى العام. وفيما يلي نص الكلمة: صاحب السمو الشيخ، محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس الوزراء حاكم دبي السيدات والسادة الحضور.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يسعدنى أن أتحدث إليكم اليوم في افتتاح فعاليات منتدى الإعلام العربي ويطيب لي أن أكون في دبي التي استطاعت بكل جدارة أن تكون ملتقى ثقافي وفكري وسياحي وتجاري وحضاري دائم، بفضل همة أبنائها وحكمة ورؤية قادتها. واسمحوا لي في البداية أن أعرب عن شكري وتقديري لأسرة منتدى الإعلام العربي التي بذلت جهدًا متميزًا على مدى ثلاثة عشر عامًا جعل البداية الطموحة في عام 2001 نجاحًا باهرًا في هذا العام 2014، وأضحى منتداكم السنوي واحدًا من أهم المنتديات التي يتطلع إليها الإعلاميون والساسة والمثقفون للوقوف على حقائق المشهد وآفاق الحركة. السيدات والسادة لعلكم تُتَابعون تلك التحولات الكبرى التي تتوالى دُون توقف في عالم اليوم، ولعلكم تابعتم السياسة في بعض جوانبها وتابعتم الاقتصاد في جوانب أخرى، وربما أَخَذَ اهتمامَكم تطورات القوةِ الصلبة أو مستجداتِ القوةِ الناعمة. ومن المؤكد أنكم تشاركونني الرأي، أننا إزاء عالم جديد، وربما إنسان جديد، وأن ما مضى من التاريخ قد يصبح هامشًا محدودًا، فنخن إزاء مستقبل لايزالُ قادرًا على إدهاشنا على مدار الساعة، وعلى امتداد العالم. إنني أتَذكر كيف كان أبناء جيلي يتطلعون إلى استمرار التميز وإلى سرعة الإنجاز، وأتذكر حواراتنا ونحن نُخطط لأن نتجاوز المكان، ونسبق الزمان، واليوم فإنني أجد أن إيقاع أحلامنا، كان بطيئًا للغاية إزاء إيقاع عصرٍ وخطوات عالمٍ ذهبَ مُهرولاً من "الخيال" إلى "ما وراء الخيال". لقد استغرقت بريطانيا 150 عامًا لمضاعفة إنتاجها، واستغرقت ألمانيا 60 عامًا، واستغرقت الولاياتالمتحدة 30 عامًا واستغرقت الصين 15 عامًا، في الدورة ذاتها، وسيظل سكان العالم يسألون كل يوم: وماذا بعد؟. السيدات والسادة اليوم نجدُ أنْفُسنا وَسَط الحداثة وما بعدها، ووسط العولمة وما حولها، ونشهد انكماش الجغرافيا وكثافة التاريخ، ونجد أنفسنا مع ذلك كله وسط ثورة إعلام ومعلومات باتت فوق الطاقة وفوق المُستطاع. لقد شهد جيل الآباء الإذاعة المصرية التي انطلقت في الثلاثينات وشهد جيلي التليفزيون المصري الذي انطلق في الستينات، واليوم نتابع أعدادًا كبيرة من الإذاعات والقنوات والصحف والمواقع، أُضيفت إليها صفحاتٌ وحسابات. لقد أصبح ريموت التليفزيون أكثر حظًا وثراءً، ذلك أن ما يأتيه من قنوات دونما جهد يتزايد كل عام على نحو مذهل. فَمِن (700) قناة فضائية عربية عام 2010، إلى (1320) قناة فضائية عربية عام 2014، ومن (34) قناة إخبارية إلى (66) قناة إخبارية في ثلاث سنوات. يتوازي مع ذلك ثورةٌ مستمرةٌ في عالم الانترنت، حيث يحتشد نصفُ سكان العالم تقريبًا أمام شاشات كانت تَحْفل بموقع واحد قبل ربع القرن، صارت تشهد تراص الجماهير الغفيرة على صفحات الفيس بوك وحسابات تويتر، وصور "الانستجرام"، بينما أصبح مئات الملايين حول العالم يعيشون حياتهم وحياة الآخرين عبر مقاطع يوتيوب اللانهائية. السيدات والسادة لقد أصبح الإعلام الإلكتروني واحدًا من حقائق العصر الكبرى، وأصبحت إعلاناته تصل في بعض الدول إلى عشرات المليارات من الدولارات، وحصلت إحدى الصحف الإلكترونية على جائزة "بوليتزر" للصحافة في العام نفسه. ولكن ذلك لم يُخرج الصحافة الورقية من مكانتها، فعلى الرغم من إغلاق صحف ومجلات وتحول بعضها من ورقي إلى إلكتروني، فإن توزيع الصحف المطبوعة يوميًا يصل إلى (400) مليون نسخة على مستوى العام. إن زحام الفضائيات والصحافة الالكترونية والمطبوعة، أعاد إلى الأذهان ما ذكره المفكر الشهير "ألفين توفلر" في كتابه "تَحوُّل السلطة" حول "محنة وفرة المعلومات"، وهي المحنة التي تؤدي فيها وفرة المعلومات إلى صعوبة لا سهولة اتخاذ القرار. إنني أدرك بالطبع أن الصحفيين لن يَمَلّوا المُطالبة بالمزيد من حرية تداول المعلومات، وهو حق أكيد لهم وللقراء والمشاهدين، لكن المؤكد أن حجم المعلومات المتاح بات يحتاج إلى نظريات جديدة، وآليات مبتكرة للفرز والاختيار، ثم للرأى والقرار. السيدات والسادة لقد كانت ثورة المعلومات حاضرة في الربيع العربي، حيث شهدت مصر موجة رئيسية فيه في الخامس والعشرين من يناير عام 2011 ، خرج الملايين من أبناء شعبنا في ثورة يناير من أجل صناعة دولة الأمل، لكن سرعان ما فوجئ الملايين من أبناء شعبنا أن دولة الأمل لم تتأسس، وأن التطرف قد سرق البهجة ثم سرق الحلم، وكاد يسرق المستقبل. وهنا جاءت ثورة استعادة الأمل، حيث خرج الشعب المصري على نحو غير مسبوق في ثورة 30 يونيو 2013، ووقف حرب استنزاف العقل والقيمة في بلادنا، ولكنه تأكيدًا لهويته في كونه شعبًا متدينًا باعتدال ووسطية لايستطيع أحد كسر إرادته أو أن يفرض عليه قوالب جامدة من التخلف والظلام. ولقد شرفّني السيد الرئيس عدلي منصور بأن أتحمل المسؤولية في لحظة فارقة من تاريخ مصر، لأتشرف اليوم بالحديث إليكم في منتداكم المرموق وأمام الحضور الكريم. لن أنسى بالطبع في خضِّم ذلك كله إنني مهندس تخرج في جامعة القاهرة، أدرك تمامًا ما الذي تعنيه الأبعاد والمسافات، وكيف يمكن تأطير الفراغ، وتحويل الرسوم إلى منجزات ومنشات. كما أنني لا أنسى أنني عملت سنوات في بناء الجسور، وأدرك أن قوة ومتانة الجسور لا يكون فحسب بكميات من الحديد والأسمنت، ولكنه يكون أيضًا بقوة الإرادة ووضوح الرؤية وذكاء التصميم، ولقد عملت في الماضي على بناء الجسور بين الجزر، وأعمل اليوم على بناء الجسور بين البشر. إنني أُدرك المكانة التاريخية لبلادي، وأدرك المكانة الحضارية لشعوبنا العربية من المحيط إلى الخليج، وأدرك الرسالة الإسلامية العالمية التي يحملها أكثر من مليار ونصف المليار مسلم من جاكارتا إلى الدار البيضاء، ويُدرك معي ملايين المصريين أن الوسطية كانت عاصمة التاريخ، وأن الاعتدال والتسامح، ونبل الأهداف ورقىّ الوسائل كان عماد شخصية مصر، وكان الأساس في عبقرية المكان والزمان. السيدات والسادة لقد استغرق الأمر في مصر تضحيات عظيمة من أجل عودة الروح ثم عودة الوعي، واليوم تواجه بلادنا ثورة مضادة من تحالف الإرهاب والفشل، ولكنني أؤكد لكم أننا سنمضي كما مضينا من قبل، لا تردد ولا انكسار، لا ارتباك في خطوة واحدة، ولا عودة نهائيًا إلى الوراء. لقد تحملت بلادنا الكثير من أجل أمتنا وعبر قرون طويلة، وهى الآن صامدة وقادرة على تحمل مسؤولياتها من جديد. إننا لن ننسى أبدًا تلك الأيادى الصديقة التى امتدت إلينا بالتأييد والمساندة، وستذكر شعوبنا على الدوام، أننا اخترنا أن نكون في الجانب الصحيح من التاريخ. ولقد كان الإعلام مسؤولاً ومجيدًا في إنارة الطريق وبث الأمل في لحظات اليأس، كانت الأخطاء حاضرة بالضرورة، غيْر أنني أتمنى أن يبذل الإعلام أقصى الجهد للانتقال من الثورة إلى الدولة، ومن مرحلة الهدم إلى حتمية البناء. إنني أتمنى أيضًا أن تكون القيمة الوطنية والرسالة الأخلاقية حاضرة في بناء المستقبل بعد أن تكسرت جوانب عديدة من القيم والسلوك، وبَذَلَ أعداء الحضارة جُهدًا كبيرًا في محاولات نقل الثورة إلى الفوضى، ودفع الغضب إلى الحقد، ومد خطوط إنتاج كبرى لصناعة الكراهية. إن المستقبل لن يبنيه الاقتصاد وحده، وإنما تبنيه الروح السويّة والخُلق القَويم، تبنيه تعاليم الدين، ومبادئ الأخلاق والحب والتسامح وقبول الغير. السيدات والسادة في زمن العولمة والوسائط الإعلامية والفضاء الإلكتروني، تزداد الحاجة إلى الإحساس الإنساني والعاطفة الصادقة حتى يمكن الانتصار على عوائق الحركة وقَسْوَة الحياة. وإنني لأتذكر هنا ما قاله فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في منتدى الإعلام العربي في دبي العام الماضي: "لقد تحولت حياتنا المعاصرة إلى أرقام جامدة تبتعد عن دِفء الإنسانية وجمالها بقدر ما تقترب من جفاف الرموز وهندسة الأشكال". السيدات والسادة لقد سَعدت كثيرًا بالحديث إليكم وسأتابع ما يدور في مُنتداكم وما يَصُدر عنكم، مقدرًا جهودكم ومتطلعًا إلى التعاون معكم. ويطيب لي أن أوجه التحية والتقدير إلى صاحب السمو رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وإلى شعب دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة وإلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وإلى سمو الشيخ الفريق أول محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وإلى حضراتكم جميعًا متمنيًا لكم ولشعوبنا العربية والإسلامية الحرية والكرامة والأمن والمجد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته