تعقيباً على المقال السابق (متى نحاسب وزير الخارجية؟) الأحد 11/5/2014، اتصل بى السفير بدر عبدالعاطى مدير مكتب وزير الخارجية، وأوضح لى مشكوراً أن وزير خارجية مصر قد أدى خدمته العسكرية بالفعل، وأرسل لى صورة ضوئية لوثيقة صادرة من السجلات العسكرية، تفيد بأن محمد نبيل فهمى جُند بتاريخ 2/4/1974 حتى 1/1/1976. وبهذا يكون تجنيده بعد حرب أكتوبر 1973 وليس قبلها، بخلاف ما كتبته فى مقالى نقلاً عن (مذكرات حرب أكتوبر للفريق سعد الشاذلى) وعليه أقوم بالتوضيح وأعتذر عن المعلومات التى لم تكن دقيقة. الغريب أن الفريق سعد الشاذلى تولى رئاسة أركان القوات المسلحة المصرية من 16 مايو 1971 حتى 12 ديسمبر 1973! وبذلك توجد فجوة زمنية غير مفهومة، فحسب مذكرات الفريق الشاذلى وأنقل هنا عدة أسطر من صفحة 232 «لقد كان ابن إسماعيل فهمى جندياً فى القوات المسلحة وفى أحد الأيام عرضت علىّ مذكرة من هيئة التنظيم والإدارة تقترح إنهاء خدمة الجندى المذكور، حيث إنه مطلوب للعمل فى هيئة المخابرات العامة فرفضت، فقيل لى إنه ابن إسماعيل فهمى، فقلت لهم حتى ولو كان ابن السادات فإنى لن أخالف القانون. حاول رئيس التنظيم أن يقنعنى بأن هذه الحالة فى حدود القانون اعتماداً على مادة فى قانون التجنيد تعطى وزير الحربية الحق فى إعفاء أى فرد أو مجموعة أفراد من الخدمة الإجبارية إذا كان يقوم بعمل من الأعمال المهمة التى تساعد فى المجهود الحربى» وفى صفحة 233 «وقد علمت فيما بعد أن مذكرة أخرى بالموضوع عرضت على الوزير مباشرة دون أن تمر علىّ، وأن أحمد إسماعيل الذى كان يعلم بالقصة من أولها إلى آخرها صدق على إنهاء خدمة الجندى ابن الوزير إسماعيل فهمى، حيث إن بقاءه فى الخدمة وعدم نقله إلى المخابرات العامة سوف يؤثران على المجهود الحربى للدولة. وبعد فترة وجيزة من نقل ابن إسماعيل فهمى إلى المخابرات العامة قامت المخابرات العامة بإنهاء خدمته بها، وتمكن والده من أن يجد له وظيفة فى نيويورك وغيرها من المدن الأمريكية والأوروبية». يتضح مما سبق، أن الفريق الشاذلى كان معارضاً لنقل ابن الوزير إسماعيل فهمى رغم الوساطات، فكيف يكون ذلك ومحمد نبيل فهمى لم يكن قد تم تجنيده بعد؟! الفريق الشاذلى لم يحدد اسم ابن الوزير إسماعيل فهمى، فهل كان المقصود ابناً لإسماعيل فهمى غير وزير الخارجية الحالى محمد نبيل فهمى؟ ربما الأمر هكذا، وهذا يبين أن وزير الخارجية لم يتصد لتكذيب الفريق الشاذلى لأن العيب هنا إن لم يخصه، فهو يخص والده، وربما أخاه المقصود الذى لم يكتب الفريق الشاذلى اسمه. هذا الموضوع إن أضر بالوزير الأسبق إسماعيل فهمى وابنه الذى قصده الفريق الشاذلى، فإنهما يستحقان ذلك، المهم فى هذا الأمر أنها فضيحة مصرية. فكيف فى وقت الحرب التى أقول عنها إنها حرب مقدسة؛ لأنها لتحرير الوطن، يتهرب منها بعض أبناء المسئولين الكبار، ونكون نحن أبناء الغلابة الوقود للوطن، مثلما أيام السلم، الدعم أغلبه للأغنياء والبؤس للفقراء!. الغريب أن إسماعيل فهمى استقال من منصبه وقتها بوصفه وزيراً للخارجية؛ احتجاجاً على مباحثات كامب ديفيد التى كان يتصدرها الرئيس الأسبق أنور السادات، فكيف تستقيم وساطته لإبعاد ابنه من نار الحرب التى هى لتحرير الوطن، مع استقالته احتجاجاً على اتفاقية يراها ضد مصلحة الوطن؟ علماً بأن شقيق أنور السادات استشهد فى هذه الحرب! نعم، فى سنوات الحرب كان معنا بعض أبناء لعائلات كبيرة، وقائد سريتى فى العبور هو ابن شقيق أحد ضباط حركة 1952، كلنا حاربنا معاً، أى لا تفرقة بين الطبقات، لا فرق بين مسلمين ومسيحيين، فالكل مواطنو مصر. كانت ملحمة رائعة ملهمة، لكن بكل أسف تلك الملحمة البطولية التاريخية، بها القليل من الملوثات، مثل هذه الوساطات التى تجلب العار على من ارتكبوها. فى سنوات ما بعد العبور، كنت أراقب احتفالات أكتوبر وأنا حزين غاضب. أتابع الأغنيات والأوبريتات الساذجة، وظهور زحام من المنافقين والبكّاشين، فرصة لهم ليحتفلوا بنصر استشهد فيه أبطال من القيادات الكبرى والضباط الشباب والمجندين. هل سننسى أغنية مخصوصة غُنيت فى عيد ميلاد بنت ملياردير عربى، مؤلفها الشاعر الشهير الذى يتشدق حتى الآن ويكتب عن الثورة، والملحن الذى لحن ثمانية عشر نشيداً فى أكتوبر واحد! والمطرب المايع والشهير وقتها، ثلاثتهم هبروا شوالات دولارات، ثم بكل صفاقة حولوا الأغنية لنشيد أكتوبرى! أوقات كنت أستمع لذكريات من خاضوا غمار الحرب، خاصة كبار القيادات الذين أحترمهم كثيراً، كنت أفرح بهم ولهم. أذكر منهم البطل الفريق عبدالمنعم واصل، كان له حضور عميق حين يحكى، ورغم أن سنوات تجنيدى أغلبها فى الجيش الثانى حول مدينة الإسماعيلية، فقد انتقلت وحدتى العسكرية إلى نطاق الجيش الثالث فى منطقة كبريت لوقت محدد، وشاهدت الفريق واصل فى موقف عسكرى حازم لكنه ساخر جداً، وليس هنا مجال حكيه. الفريق واصل رغم عسكريته الصارمة، كان إنساناً سامياً رحمه الله هو وكل أبطال ملحمة الحرب العظيمة. أقول إن كل ما يخص الحرب، سوف يظهر يوماً ما بكافة تفاصيله. أكثرها مُشرف وأقلها مخجل، مثل عار الهروب بالوساطات. إنها شجون مصرية. مصر التى ستعبر محنتها الحالية، كما عبرت محنة 67.