حاول ان تسأل جميع المحيطين بك من أهل ومعارف وأصدقاء عن: ما هو الحيوان الأكثر فتكًا بالبشر؟ ... وسوف تحصل على عدد لا يحصى من الإجابات مثل أسماك القرش والثعابين، والعناكب والنحل. وفى الحقيقة قد يكونوا من المحقين إذا أخذنا في الاختيار حدة الأسنان والفكوك القاتلة، والسم، وحجم وسرعة الحيوان التي تجعله مصدراً للعديد من المخاطر في رأي العديد من البشر. وقد يحتل سمك القرش المساحة الأكبر من الخوف نظراً للمشاهد المثيرة المرتبطة بهذا الحيوان في أفلام السينما وفى المسلسلات التي تظهر دمويته ووحشيته، ولكن المفاجأة أن هناك نوعاً من قناديل البحر الأسترالية مثلا هو الأشد فتكاً على الإطلاق، وتمتلك هذه اللافقاريات حوالي 60 مخالباً، يصل طولها إلى 15 قدمًا (4.5 متراً)، وتحتوي ملامسها على مواد سامة كافية لقتل 60 شخصاً! ولا يخدعك حيوان "فرس النهر" المعروف في مصر باسم "سيد قشطة" فعلى الرغم من ضخامته إلا أنه يأكل النباتات، ويتميز بشكل لطيف محبب للأطفال. ولكن إياك أن تنخدع، فهذه الحيوانات العملاقة عدوانية للغاية، وتعتبر واحدة من أخطر الحيوانات على نطاق واسع في أفريقيا! كما لا تخدعك الضفادع الجميلة ذات الألوان المبهجة، ولنأخذ، على سبيل المثال، الضفادع السامة التي عثر على معظمها في الغابات الاستوائية، فقد تستطيع المادة السامة بضفدع واحد قتل 10 رجال دفعة واحدة. ويلي تلك الحيوانات في تربعها على عرش أكثر الحيوانات قتلا للبشر بعض المخلوقات المخيفة المعروفة مثل تماسيح المياه المالحة، التي وجدت في الهند وآسيا وأستراليا، انها تشكل خطرًا على الإنسان إلى حد كبير. ودعونا لا ننسى الملك وهو أفعى الكوبرا الموجودة في الهند والصين وآسيا، وبالرغم من أنها ليست أكثر ثعبان سام في العالم إلا أن عضتها سامة للغاية ويمكنها أن تقتل فيلاً. كما أن عدد ضحايا الأفاعي والثعابين والحروب مقارنة بضحايا الرخويات، صغير جدا. فالرخويات تنقل داء الكبد البلهارسيا الخطير جدا، وهو الذي يقضي على حياة حوالي 100 ألف شخص في السنة. أما داء الكلب، الذي تنقله الكلاب فيقضي على حياة حوالي 25 ألف شخص سنويا، و10 آلاف آخرين هم ضحايا "مرض النوم" الذي تنقله ذبابة سي سي، في حين لا تقتل أسماك القرش أكثر من 10 اشخاص سنويا. أما الحيوانات المفترسة مثل التماسيح وفرس النهر فتحتل المراتب الأخيرة في قائمة الحيوانات الخطرة على حياة الإنسان. أما الأسود، ملوك الغابة، فلا تقتل أكثر من 100 شخص في السنة، ومثل هذا العدد تقريبا هم ضحايا الفيلة سنويا. ومؤخرًا، نشر موقع «الوراثة الحيوانية» الأمريكي، «انفوجراف» عن عدد ضحايا الحيوانات الشرسة حول العالم أظهر أن البعوض يقتل 750 ألف شخص سنويًا حول العالم، بينما جاء الإنسان في المرتبة الثانية (450 ألف شخص)، في حين جاءت أسماك القرش في المرتبة الأخيرة ب 10 آلاف ضحية سنويًا، واعتمد الموقع في تقريره على إحصاءات لمؤسسات وجامعات أمريكية مهتمة بهذا الشأن. ولكن جميع هذه الحيوانات المخيفة قد تقتل بعض مئات الاشخاص سنويا فقط، أما الحيوان الأشرس، والأكثر فتكا الذي يفوز بأغلبية ساحقة في تسببه في المجازر البشرية ويتسبب في مقتل أكثر من مليون شخص سنويًا هو البعوض! وتستطيع ألف بعوضة فقط أن تتغلب على أكثر الحيوانات فتكا في العالم. وقد يبدو من المستحيل أن شيئا ضئيلًا يمكن ان يقتل هذا العدد الكبير من البشر، ولكن هذه المعلومة صحيحة، وحسب مصادر منظمة الصحة العالمية، فقد تتسبب لدغات البعوض في وفاة أكثر من مليون شخص كل سنة. ومعظم هذه الوفيات ناجمة عن الإصابة بالملاريا. وتقدر منظمة الصحة العالمية أنه يموت طفل بسبب الملاريا كل 30 ثانية. وللأسف فأن البعوض القاتل الناقل للملاريا يتواجد في جميع أنحاء العالم، باستثناء القارة القطبية الجنوبية، وهو المسؤول الأول عن انتشار عدوى الملاريا. ويتربع البعوض على عرش أكثر الحشرات فتكًا بالبشر، فقد تسببت الأمراض التي ينقلها البعوض في قتل ما يزيد عن المليون إنسان في عام 2013، وتشمل الأمراض القاتلة التي ينقلها البعوض الملاريا، حمي الدنجي؛ وهي حمي يصاب بها، أو بأحد الأمراض المتعلقة بها، أكثر من 100 مليون شخص سنويا علاوة على تسببها في الحمي الصفراء ونقلها لفيروس النيل الغربي الذي التقطته الحشرات من الطيور المصابة. وفى إطار الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الملاريا يوم 25 أبريل الماضي أطلق المليادير بيل جيتس حملة "الأسبوع العالمي للملاريا"، وذلك للتركيز على أهمية التوعية بخطورة وضرورة الحماية من هذا المرض القاتل. ونشر مؤسس شركة "ميكروسوفت" في مدونته، رسومًا بيانية تبين بوضوح أن البعوض والرخويات أخطر من النمور وسمك القرش. وكتب يقول: "أي حيوان هو الأخطر؟ طبعا الجواب سيرتبط بمدى فهم الشخص لكلمة "الأخطر". أنا شخصيا فكرت بسمك القرش، لأني لا اطيقها بعد مشاهدتي لفيلم "الفك". ولكن إذا استندنا الى عدد ضحايا هذا النوع أو ذلك من الحيوانات في السنة، يتبين ان البعوض هو الأخطر. فيبلغ عدد انواع البعوض الذي يعيش في كافة انحاء العالم، باستثناء القطب الجنوبي، حوالي 2500 نوعًا، وجميعها تشكل خطرا على حياة الإنسان". وبحسب جيتس تقضي الملاريا على حياة أكثر من 600 ألف شخص في السنة، وحوالي مليونين يعانون من المرض ومضاعفاته لسنوات طويلة، في حين لا يتجاوز عدد ضحايا الحيوانات المفترسة 450 ألف شخص في السنة. أي ان البعوض يحتل المرتبة الأولى في الخطورة، ويأتي الإنسان في المرتبة الثانية، حيث يقضي الإنسان على حياة 475 ألف شخص سنويا. وتسجل سنويا بين 350 – 500 مليون إصابة بالملاريا في العالم، أغلبها 85 – 90 بالمائة في افريقيا، ومعظم المصابين أطفال دون الخامسة من العمر. وتعتبر مكافحة الملاريا الآن إحدى الأولويات الرئيسية للتنمية العالمية، ولها أهميتها الأساسية في بلوغ الأهداف الإنمائية للألفية في أفريقيا. وقد ساهمت زيادة الوعي العالمي بآفة الملاريا في تحقيق زيادة كبيرة في الموارد المتاحة لمكافحتها على مدى السنوات الأخيرة، ويعود الفضل في ذلك إلى الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا، ومبادرة رئيس الولاياتالمتحدة لمكافحة الملاريا، والبنك الدولي، وجهات أخرى. لذا، يجب أن تغير وجهه نظرك عن أن الاسود والنمور والدببة هي الحيوانات الشرسة الأكثر وحشية، لأن أشرس الوحوش الكاسرة وأكثرها وحشية يعيش بالقرب من أذنك، انه البعوض قاتل الفرعون، وهو أشد وأشرس الحيوانات المخيفة في العالم بالرغم من ضآلته، وهو المسؤول عن موت ملايين البشر، ولقد قتل البعوض أكثر من كل الذين قتلوا بسبب الحروب على مر التاريخ! ومازال البعوض يحير العلماء، وهو الكائن الصغير، والحشرة العجيبة التي تتحدى الإنسان وعلومه، إنها معجزة بكل المقاييس ولا يزال العلماء يكشفون أسرارها يومًا بعد يوم. ولذلك ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم منذ ما يزيد عن أربعة عشر قرنًا، يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ) [البقرة: 26]. * *أستاذ التقنية الحيوية المساعد كلية العلوم والآداب ببلجرشي جامعة الباحة-المملكة العربية السعودية.متخصص في الوراثة الجزيئية والتكنولوجيا الحيوية-قسم النبات، كلية العلوم، جامعة القاهرة.