سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مسعفون على خط النار.. حصار دائم بين رصاص قوات الأمن والإرهابيين مدير المرفق: لدينا عجز كبير فى المسعفين والسائقين والسيارات ونتعرض للخطر طوال الوقت.. والمعينون الجدد يرفضون استلام العمل
داخل إحدى مدارس منطقة الضواحى، بجوار مصلحة الأحوال المدنية بمدينة العريش، يتخذ مرفق الإسعاف مقراً بديلاً له، لحين الانتهاء من ترميم المرفق الرئيسى بوسط المدينة، يتجول الدكتور محمود عامر، مدير مرفق الإسعاف بشمال سيناء، فى المكان، يتفقد الأوضاع فى المرفق، يتوقف قليلاً قبل أن يقول «حال الإسعاف لا يسر عدواً ولا حبيباً، المسعف يريد القيام بعمله على أكمل وجه لأنه يخدم كل المصريين بمختلف انتماءاتهم، لكنه يواجه اتهامات من جانب الجهاديين والجهات الأمنية على حد سواء، الإرهابيون يتهموننا بموالاة الجيش والشرطة، لأننا نقوم بنقل أفرادهم المصابين إلى المستشفيات، حيث تلقى الشرطة القبض عليهم، وهددونا أكثر من مرة بالقتل إذا قمنا بفعل ذلك، وقوات الأمن تتهمنا بعدم التبليغ عن المصابين الذين ننقلهم للمستشفى، وكمائن الجيش تتعامل معنا بمنتهى القسوة، خاصة بعد انتشار شائعات تفيد بسرقة سيارات الإسعاف واستخدامها فى عمليات إرهابية، رغم أننا نقوم بعمل مراجعة يومية لسياراتنا، ولو حدثت سرقة لأى سيارة، نعرف على الفور، ونقوم بإبلاغ الجهات الأمنية، ومع ذلك يتم تفتيش سياراتنا بشكل عشوائى وقاسٍ، فيطرحون المسعفين على الأرض كالمجرمين، ويفتشون سياراتهم بطريقة عنيفة قد تتلف الأجهزة الطبية، ولا يستثنى من ذلك نقاط الإسعاف التى تجاور الأكمنة طوال اليوم، حيث تخضع لتفتيش مكثف وغير مبرر، وهو ما أثر بالسلب على الروح المعنوية لدى المسعفين والسائقين، خدمتنا لضباط الجيش والشرطة كانت جيدة، والمسعفون أبلوا بلاء حسناً فى الفترة الأخيرة، فكانوا يدخلون وراءهم إلى مناطق العمليات العسكرية لنقل أى مصاب، وهو ما كان يعرض حياتهم للخطر». يعتدل مدير مرفق الإسعاف فى جلسته قبل أن يقول «ما قام به الإسعاف فى الثلاث سنوات الأخيرة، يفوق ما قامت به إدارات الخدمات الطبية التابعة للجهات الأمنية، توزيع سيارات الإسعاف فى المحافظة دقيق جداً، ويلبى طلبات الأهالى بسرعة، عن طريق شبكة لاسلكية عالية الكفاءة تغطى معظم أنحاء المحافظة، باستثناء وسط سيناء بسبب ارتفاع الجبال التى تؤثر على الإرسال، لكن التعامل العنيف فى الكمائن والتطاول على المسعفين يؤثر علينا بالسلب، ويؤدى إلى تذمر العاملين، فيمتنعون عن الذهاب إلى تلك الأماكن، نتعرض لمثل هذه الحوادث 5 مرات شهرياً، لذلك قمت بإرسال مخاطبة لمدير أمن شمال سيناء منذ 15 يوماً، حفاظاً على روح الود، وتلافياً لحدوث توتر بيننا وبينهم». يواصل مدير مرفق إسعاف شمال سيناء قائلاً «منذ الاستعانة بأسطول سيارات الإسعاف الجديدة ونحن نؤدى الخدمة بشكل متميز، ونحاول تخصيص سيارة لكل 25 ألف مواطن، الشيخ زويد بها 5 سيارات إسعاف موزعة على مناطق الجورة والخروبة وقبر عمير، بينما فى مدينة رفح 3 سيارات إسعاف، تزيد مع ارتفاع وتيرة الأحداث، مثلما حدث وقت الحرب على غزة، فكنا ندخل مستشفى الشفاء بالقطاع، لننقل المصابين لمستشفى العريش العام، ثم للقاهرة». يتابع عامر «يبلغ عدد سيارات الإسعاف فى المحافظة حوالى 65 سيارة، لدينا عجز كبير فى عدد المسعفين وسيارات الإسعاف، نحتاج إلى 20 سيارة إسعاف إضافية، وأكثر من 16 مسعفاً لتوفير عناصر إضافية وقت الأزمات، يوجد عزوف كبير من قبل المسعفين عن العمل فى شمال سيناء، وعندما يتم تكليف بعض المعينين للعمل هنا، لا يوافقون على العمل، ومن يوافق ويأتى يسعى بعد فترة وجيزة للانتقال للقاهرة والدلتا، كما أن حوالى 95% من قوة المرفق فى شمال سيناء مغتربون، ورغم عدم تقدير وزارة الصحة وهيئة الإسعاف للعاملين هنا، والمخاطر التى يتعرضون لها، فإننا نعمل فى صمت، ولم نتذمر أو ننظم إضرابات، ما نتقاضاه هنا يحصل عليه زملاؤنا فى المناطق الهادئة الأخرى، وهو أمر غير عادل، وبدل جذب العمالة الذى تبلغ قيمته 80% من الراتب الأساسى غير مجزٍ، وطلبنا أكثر من مرة زيادته لتشجيع المسعفين على العمل هنا، طلبت أيضاً تزويدنا بسيارات إسعاف مصفحة للعمل فى المناطق الملتهبة فى الشيخ زويد ورفح، لكن لم يتم الالتفات إلينا، سيارات الإسعاف بها أنبوبة أكسجين، لو أصابتها أى طلقة رصاص ستنفجر فى الحال، طلبت من الهيئة توفير خوذ للرأس، وواقٍ ضد الرصاص يرتديه العاملون أثناء فترة عملهم، لكن لم تتم الاستجابة لنا»، يضيف عامر بحزن «تلقيت تهديداً مباشراً من الإرهابيين بالقتل، وابنى تعرض للخطف منذ 6 شهور، أثناء عودته من الدرس الخصوصى بعد أن ضربوه بشومة على قدمه لكنه أفلت منهم بالقفز على قدم واحدة». ويقول عبدالله أحمد سليمان، مشرف سيارات «أعمل فى الإسعاف منذ 5 سنوات، وأقيم هنا منذ 29 عاماً مع أسرتى، كنت أجرى صيانة لإحدى السيارات فى خط الوسط، وأثناء عودتى من هناك للعريش، توقفنا فى الكمين فترة كبيرة للتفتيش، فظن الإرهابيون أننا ننقل بعض الجنود والضباط، ونصبوا فخاً وزرعوا عبوة ناسفة على الطريق، وطارت السيارة فى الهواء، وأطلقوا عشرات الطلقات علينا من مزارع الزيتون على يمين السيارة، أصيب زميلى محمود بعدة طلقات، إحداها فى الفك العلوى، والأخرى فى الكتف الأيسر، وضعته فى الدواسة، وزحفت إلى أسفل، واتصلت بغرفة الإسعاف لنجدتنا، ولم يتوقف ضرب الرصاص علينا إلا بعد قيام الكمين بإطلاق الرصاص على الطريق بشكل عمودى لإبعاد الإرهابيين، أما أنا فقد أصبت بطلقتين لم يتم استخراجهما بعد، وأصبت بشظايا فى الرقبة استخرجت منها 5 وباقى 4، وهو ما أثر على الأحبال الصوتية والرئة». أما محمد حسن، 52 سنة، فيقول «أعمل فى الإسعاف منذ 25 سنة، عندما أتيت إلى هنا فى شمال سيناء كانت من أفضل الأماكن على مستوى الجمهورية، كنا بنسيب بيوتنا مفتوحة ونآمن عليها جداً، لكن الوضع يختلف الآن كثيراً، فأطقم الإسعاف تتعرض لتهديدات كبيرة، والعاملون يخافون على أرواحهم ويبلغون بأجازات مرضية، لذلك يوجد لدينا عجز فى المسعفين والسائقين». يواصل حسن «أنا نقلت العساكر المقتولة للمستشفى بإيدى فى مجزرة رفح الثانية، وغسلّناهم وسلمناهم للمطار، كل ما بركب العربية واطلع من بيتى باتشهد على روحى، مش عارف هرجع لعيالى تانى ولا لأ، وهمه تعودوا على كده، عندى 4 أبناء، أصغرهم 4 سنوات، من غير ما أحكى لهم اللى باتعرض له من مخاطر، همه عارفين بيحصل لنا إيه». يضيف حسن «اتحاد الصحفيين والمراسلين بشمال سيناء كان له السبق فى تكريمنا، وهو تكريم معنوى، والمفترض أن تقوم الدولة بذلك الدور، وأن تصرف بدل مخاطر لنا أسوة بالفئات الأخرى، وكنا قد أرسلنا لوزيرة الصحة السابقة طلباً بصرف بدل مخاطر، فكان ردها مخزياً، حيث قالت هم يحصلون على مكافأة وبدل جذب عمالة، وعموماً أى فلوس تيجى للمسعف لا تضاهى خطورة ما يتعرض له، لأنه شايل حياته على كفه، ليس فقط بسبب إطلاق الرصاص، لكن ممكن يعمل حادثة بسبب سرعته للوصول للمصابين». من جانبه يقول محمد عبدالغنى، أحد المسعفين بشمال سيناء «نفسى أسيب العريش وارجع لبلدنا فى الدلتا، أنا ما باحكيش لأسرتى أى شىء نتعرض له هنا، ولو عرفوا حاجة عن شغلى مش هيخلونى أكمل، ولما بيسألونى عن الأوضاع، باقول لهم المنطقة كويسة وأمان، وهى بتكون مشتعلة». أخبار متعلقة «الوطن» تخترق مناطق الإرهاب فى سيناء إذا مشيت فى الشوارع بعد الرابعة عصراً.. فقد تتعرض ل«رصاصة قاتلة» «زويد ورفح».. أهلاً بكم فى مدن «الأشباح» الطريق إلى العريش.. مأساة الانتظار الطويل أمام «المعدية» ناشطون سياسيون: الحملات الأمنية «العنيفة» تؤدى لتعاطف الأهالى مع التكفيريين تجار الأنفاق والمهربون: نعيش على «تحويشة العمر» كمين أمن بالعريش.. حياة «الحذر والترقب» من وراء المدرعات