اعتادت الأحزاب والقوى المدنية أن تعلق إخفاقاتها المتكررة على شماعات الآخرين، فتدعى أن خصومها الإسلاميين لم يحققوا مكاسبهم إلا بفضل السكر والزيت الذى يوزعونه على الققراء بينما تسعى القوى المدنية لتوفير ذلك بشكل مقنن عبر الدستور والقوانين، كما أنهم يتهمون خصومهم الإسلامين بسوء استغلال الدين فى الدعاية السياسية لمشاريعهم ولمرشحيهم بينما ترى تلك القوى أن الدين مكانه المسجد والكنيسة فقط. ويبدو أن القوى المدنية استراحت نفسياً لهذه التبريرات لبعض الوقت لتغطية خسائرها الميدانية المتكررة، لكن روحاً جديدة ظهرت خلال الأيام الماضية تسعى لتلمس الأسباب الحقيقية للفشل وتحاول علاجها، استعداداً للانتخابات النيابية المقبلة بعد الاستفتاء على الدستور. وضعت هذه القوى المدنية يدها على أحد أسباب الفشل الحقيقية بعيداً عن الدين والسكر والزيت وهى حالة التشرذم والتشظى فى مواجهة قوى إسلامية أكثر انضباطاً وتنسيقاً، وشهدت الأيام الماضية جهوداً متسارعة لإيجاد تحالفات تسعى لضم أكبر عدد من الأحزاب والحركات السياسية المدنية، كان أحدثها الدعوة إلى «المؤتمر المصرى» وهو محاكاة سياسية لتجربة حزب المؤتمر الهندى، وحضر الاجتماع التأسيسى للمؤتمر الوطنى 15 حزباً أبرزها حزبا غد الثورة بقيادة أيمن نور وحزب الجبهة برئاسة السعيد كامل وحزب المصريين الأحرار مع مجموعة أحزاب صغيرة، وسبق ذلك الدعوة لتحالف الأمة بزعامة عمرو موسى مع 12 حزباً مدنياً، وهذا التحالف خرجت فكرته فى البداية من حزب الوفد لكن الحزب تراجع لاحقاً وقرر الانسحاب من التحالف، بموازاة ذلك يسعى المرشح الرئاسى السابق حمدين صباحى لتشكيل التيار الشعبى، فيما يتحرك النائب مصطفى بكرى والكاتبة فاطمة ناعوت والمهندس ممدوح حمزة والفنانة تيسير فهمى لتشكيل تحالف مصر الوطن الذى حضر اجتماعه التأسيسى 17 ائتلافاً، ولعلنا لم ننس التحرك المحموم لتأسيس ما سمى بالتيار الثالث الذى عُقدت من أجله عدة اجتماعات فى مركز إعداد القادة، ولا يزال حزب الوفد يبحث عن صيغة ائتلافية ليطرحها على بعض القوى السياسية، كما أن حزب الدستور المولود حديثاً لا يزال يتحسس طريقه، ولم يحسم خياراته فى الانضمام لأى من تلك التحالفات أو الدعوة لائتلاف جديد. الغريب أن بعض هذه التحالفات تجمع بين المتناقضين سياسياً فتجد اليسارى والناصرى إلى جانب الليبرالى اليمينى، وهو ما لا يتيح لهذه التحالفات تقديم برنامج عمل مقنع للجمهور، ناهيك عن أن هذه التحالفات لن تصمد كثيراً أمام اختبار التنافس الانتخابى خاصة فى حال إجراء الانتخابات بنظام القوائم. لا ينقص القوى المدنية الرموز الكبيرة فى مختلف المجالات، ولا تنقصها الإمكانيات المادية فهى تضم العديد من كبار رجال الأعمال، ولا تنقصها الإمكانيات الإعلامية فهى تملك أو تدير غالبية الفضائيات والصحف الخاصة، ولكن ينقصها العمل الميدانى الحقيقى على الأرض، وعليها أن تدرك أن الإسلاميين لم يقدموا فقط السكر والزيت بل قدموا مستشفيات ومدارس وجمعيات تنمية مجتمع محلى ومعارض سلع وقوافل طبية مجانية، وحملات نظافة، ولجان مصالحات اجتماعية، إلى جانب تحركاتهم لتحسين أوضاع الشعب عبر الدستور والقوانين أيضاً، كما ينبغى على القوى الليبرالية أن تتذكر تاريخها المضىء حين قدمت للشعب الخدمات الضرورية مثل المستشفيات والجامعات والمدارس فى العشرينات والثلاثينات والأربعينات فكسبت وقتها قلوب المصريين وحازت أصواتهم.