لم تكن تلك هى المرة الأولى التى يسعى فيها الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، للصلح بين متخاصمين، من قبل بادر بإطفاء نيران الفتنة بين المسلمين والمسيحيين فى صول بأطفيح، وافتتح الكنيسة التى أحرقت خلال الأزمة، هو شيخ كرّس جهده للمّ شمل وإعلاء المصلحة الوطنية والدينية بين المصريين منذ اندلاع ثورة 25 يناير. نجح شيخ الأزهر فيما فشلت فيه أجهزة عديدة فى درء الفتنة، وأعطى قُبلة الحياة إلى منطقة السيل الريفى بعد أن تحولت إلى مقبرة، واتشحت بالسواد والفزع، سعى للمصالحة بين القبيلتين، وتعهدت كلتاهما باحترام بنود المصالحة والموافقة عليها بما يضمن حق كل طرف لوقف نزيف الدماء، واجتمع الطرفان معاً لأول مرة فى حضوره بعد تفجر الأزمة. تنفس «الطيب» الصعداء وصلى ركعتين شكراً لله على تتويج مجهوده وأبناء الوطن المخلصين فى إعادة الاستقرار والأمان واستئناف الدراسة فى 17 مدرسة ومعهداً بمنطقة الأحداث. منذ توليه مهام «المشيخة» فى مارس 2010 عقب وفاة الدكتور محمد سيد طنطاوى، حمل على عاتقه إعادة الأزهر إلى مكانته، ورفض أى محاولات لتهميش أو تقزيم المؤسسة الدينية، كما حدث فى العهود السابقة، وأصر على الحفاظ على منهجها المتسم بالوسطية، ليبدأ حرباً جديدة ضد الجماعات التكفيرية والتيارات المتشددة التى اتخذت من الدين شعاراً لتحقيق أغراض سياسية ودنيوية. «الطيب» الذى عمل أستاذاً للعقيدة الإسلامية، وترجم عدداً من المراجع الفرنسية إلى اللغة العربية، ولديه مؤلفات عديدة فى الفقه والشريعة وفى التصوف الإسلامى، تعود أصوله إلى محافظة قنا، وهو من أسرة صوفية تحظى بحب الناس، ولها باع فى إجراء مصالحات وجلسات عرفية للإصلاح بين المتنازعين، لتكون نتيجة خطواته فى الصلح بين «الدابودية» و«الهلالية» متوقعة بالنجاح لما له من خبرة فى تلك المشكلات وغيرها. لا يكف عن مطالبة الدعاة والوعاظ باتخاذ الدعوة رسالة وليس وظيفة، وأن أهل الباطل لا يعملون إلا فى غياب أهل الحق، وبالتالى طفت على السطح تيارات تتحدث باسم الدين وترتديه عباءة من أجل أطماع وخلافه. تعهد بكشف زيف التيارات المتاجرة بالدين والمضللين، كما أنشأ «بيت العائلة» ليس بغرض إجراء المصالحات والجلسات العرفية، وإنما لتناول جذور أسباب الاحتقان بين نسيجى الوطن وبترها، لأنه يعترف بأن وقت المسكّنات ولّى، ولا بد من حلول عملية تبدأ من التعليم والخطاب الدينى والثقافة. «الطيب» فتح أبواب الأزهر للجميع، وتدخل لإجراء مصالحات قبل ثورة 30 يونيو، وقت أن ظهرت خلافات بين القوى الوطنية و«الإخوان»، لم يبخل بالنصائح يوماً، أو بوقته من أجل لمّ شمل المتخاصمين، لكن تعنت جماعة الإخوان المسلمين وقتها حال دون ذلك، ليتصدر «الطيب» المشهد حين بات عزل الرئيس السابق محمد مرسى أمراً حتمياً، لإنقاذ البلاد من حرب أهلية وشيكة.