"طالبة يحاول أفراد الحرس الجامعي تفتيش حقيبتها، أثناء خروجها، فأبدت علامات الرفض على وجهها ونطقت بها لسانها، مما أكد لهم أنها تخفي شيئًا قد يكون ممنوعًا في مجتمعنا، فتبكي الفتاة لرفضها، في إصرار من الجميع على ضرورة كشف سر رفضها، وبعد التفتيش تيقن الجميع من إخفائها لممنوعات كانت عبارة عن "بواقي قطع فينو"، فأظهر الجميع دهشته في اللحظة التي ظهرت الفتاة غارقة في دموعها، أجابت بدموعها قبل أن تجيب بلسانها، أجمعها من زميلاتي لإطعام أسرتي الفقيرة"، هكذا جاءت فكرة المهندس "محمد عبد الفتاح" لحملته التي انطلقت منذ 3 شهور بمحافظة الإسكندرية، والتي نجحت حتى الآن في إطعام الكثير من الفقراء الذين كانوا يتناولوا طعامهم من القمامة. صندوق خشبي، مغطى ب"بانر" مرسوم عليه شعار الحملة، مدون أسفل الشعار "طعام نظيف.. خذ ما يكفيك"، بابه من أعلى حتى لا تستطيع القطط والكلاب الاستيلاء على محتوياته، به مقبض من الحديد لكي يسهل فتحه، يعلو عن الأرض حوالي متر ونصف المتر، ليكون في متناول الجميع، أمام محل أو منزل ليسهل الإشراف عليه، يتم وضع فائض الطعام النظيف فيه ليأكله الفقير، هذه هي الفكرة التي ألهم الله بها "عبد الفتاح" التي أطعم بها الكثير من الفقراء، ويسعى من خلالها للقضاء على الجوع في أنحاء المحافظات. في الساعة الثانية عشر ظهرًا، يصل الشاب البالغ من العمر 25 عامًا إلى القاهرة استعدادًا لتركيب صندوق بأحد محال الأطعمة في مصر الجديدة، وقال "عبد الفتاح" ل"الوطن": "أتت لي الفكرة بسبب عدة مواقف قابلتها، أولها كانت فتاة جامعية تجمع بواقي الطعام لأسرتها الفقيرة، وكلما ذهبت إلى أحد المطاعم أرى الكثير من الطعام يتم التخلص منه دون الاستفادة به، فسألت لماذا لم يتم تنفيذ مشروع قومي في مصر كل الناس تشارك فيه، مثل تركيب صندوق موحد اللون على مستوى الجمهورية، حيث يتم وضع الطعام فيه الذي يفيض من المحال أو البيوت لسد جوع الغير قادر على شراء طعام". وأضاف: "بدأت بأحد المحال في الإسكندرية طالبًا من صاحبه أن أضع صندوقًا من الخشب أمام المحل، فرحب بالفكرة وأعرب عن استعداده للإشراف على هذا الصندوق، نظرًا لكمية الطعام الذي يتخلص منه صاحب المحل دون الاستفادة منه، ووقتها أسست صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" للحملة تحت عنوان "مكافحة الجوع سهلة"، ولاقت ترحيبًا من الكثير، وأعرب الكثير من سكان بعض المحافظات عن نيتهم الاشتراك في العمل الخيري". وأشار إلى أنه تم إنشاء 11 صندوقًا في القاهرة، و صندوقًا واحدًا في المنوفية، فضلًا عن 32 صندوقًا بالإسكندرية، نظرًا لاهتمام الأهالي بالفكرة وتنفيذها. وتابع: "بدأنا في تكوين مجموعات في محافظات مختلفة لتنفيذ الفكرة وأتولى الإشراف على التنفيذ، وبالفعل تم إنشاء أول 32 صندوق في الإسكندرية وتم استخدامهم بنجاح، البعض منهم أمام محال الأطعمة، والبعض الآخر شارك فيه أهالي المناطق، حيث يتم وضع الصندوق أمام أحد العمارات ويتولى حارس العقار الإشراف على نظافة الصندوق". وبالنسبة لمدة صلاحية الطعام، قال: "اتفقنا مع المشرفين على الصناديق أن الطعام لن يظل بداخلها أكثر من نصف ساعة، وبالفعل لن يظل الطعام كل هذا الوقت حتى يأتي فقيرًا يأخذه". وتنتقل "الوطن" مع مؤسس الحملة لمصر الجديدة، أمام أحد المقاهي المخصصة ل"كريمة" المجتمع، والتي اتفق مع صاحبها على فكرة الصندوق، تفاجأ المؤسس برفض صاحب المقهى، معللاً: "شكله وحش، وهيبوظ شكل المحل". فبادله "عبدالفتاح": "ده عمل خيري وأول مرة حد يرفض"، فيصمت صاحب المقهى لبرهة ويقول: "أنا هعمل واحد شكله أحسن من ده وأركبه". وفي الساعة الثانية ظهرًا، يتوجه عبد الفتاح إلى منطقة فيصل لمتابعة الصناديق التي تم تركيبها في بعض الأماكن، للتأكد من نظافة الصناديق والتنسيق مع المشرفين عليها، وبعد طريق طويل، تكدس مروري وليس مسافة، يصل "عبد الفتاح" إلى مقر الثلاثة صناديق بجوار شارع العشرين بفيصل، ويقابله أعضاء حملته الذين يشرفون عليها، ويقابله أهالي المنطقة بالشكر والثناء على فكرته العظيمة التي سدت جوع الكثير من فقراء المنطقة المتواجدين في الشوارع. ويروي شاب "عشريني"، يعمل بجوار مكان الصندوق، أن هناك الكثير من الفقراء يترددون على الصندوق لأخذ الطعام، وأنه متواجد بالفعل طوال اليوم في المكان، مشيدًا بالفكرة داعيًا الشعب المصري بتطبيق هذه الفكرة في كل مكان، مضيفًا أن هذا الصندوق سيكون له نفعًا كبيرًا خلال شهر رمضان الكريم. وقالت زينب محمود، أحد الأعضاء في الحملة، أنها تعرفت على مؤسس الحملة عن طريق ال "فيس بوك"، وبعد اقتناعها بالحملة كونت مجموعة من أصدقائها لتنفيذ الفكرة وتركيب العديد من الصناديق في أماكن مختلفة، مضيفة أن الحملة تسعى لأن لا يكون هناك جائعًا مصريًا. ويقول الحاج أيمن أحمد علي، صاحب جراج، أنه وضع أمام "جراجه" صندوق يشرف عليه، مضيفًا أن الأهالي رحبت به وأن هناك الكثير من الفقراء يستفيدون منه. وفي نهاية جوله "المهندس"، ينصرف "عبدالفتاح" وبعض أعضاء الحملة؛ لعقد اجتماعهم لمناقشة كيفية تطوير عملهم، واقتراح الجديد من الأفكار التي تساعدهم في مشوارهم، وسبل التعاون مع الجمعيات المختلفة لدعمهم التنقل في جميع محافظات مصر، ومن بعدها ينصرف عائدًا إلى الإسكندرية، بعد يوم شاق سفرًا وممتع في طريق الخير.