سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«الوطن» مع الجماهير فى المدرجات بعد غياب 214 يوماً: ليلة «فانديتا» ألتراس «الزمالك» يدخلون الاستاد بالأقنعة دون تفتيش.. وشماريخ وشتائم للاعبين وهتافات ضد الحكومة «مش ناسيين التحرير»
وجه تلوح منه ابتسامة ساخرة، يخط من فوقها شارب أسود رفيع، تميزه وجنتان حمراوان، إنه قناع فانديتا، الذى أصبح أيقونة للثورة، يرتديه مجموعة كبيرة، من الخلف، فى صفوف أخذت تتوافد منذ الصباح على استاد الكلية الحربية، ليس لإسقاط النظام، وإنما للإعلان عن عودة الحياة والجمهور لمباريات كرة القدم فى مصر، بعد سبعة أشهر من الحداد على مذبحة بورسعيد، بمعاقبة الجماهير من حضور المباريات. العدد يتجاوز الثلاثة آلاف المحددة، معظمهم ينتمى لألتراس زملكاوى (وايت نايتس)، يحدوهم الشوق أمام البوابات، وكأنهم يتأهبون لزفاف جماعى، فالمدرج بيتهم، ومدرستهم التى اعتادوا الغناء والهتاف فى صفوفها، يساندون الكيان الزملكاوى، الذى مهما قسا عليهم، فلن يخذلوه. تتدافع الجموع، وترتفع بعض السيقان من على الأرض، طائرةً من لهفتها على العودة للعام الكروى، وكأنها لهفة تلاميذ بالعودة لفصول الدراسة، يجاور الجمع الطامح فى الدخول شاب بدين، لا ترتفع قدماه، ليس لأنه لا يمتلك نفس القدر من الشوق أو الرشاقة، وإنما لأنه مصاب بالشلل، يتوكأ على عكازه، ويدخل بخطى بطيئة، مخلفاً من ورائه آلافا من الشباب، حالَ الرقم المحدد «رسميا» للحضور دون دخولهم. ساحة الاستاد من الخارج بدت مدججة بقوات الأمن، السائر بينها يشعر أنه دخل منطقة عسكرية بالخطأ، لكنهم ناعمون، لا يحركون ساكناً، وإذا جئت من مقصورة الصحفيين لتجلس بين الألتراس الزملكاوى فى مدرجات الدرجة «التالتة» يمين، لن يوقفك أحد ليسألك عن وجهتك، أو يحاول تفتيشك. كراسى المدرج يغمرها طبقات من تراب كثيف، لا يتخلف المشجعون عن الجلوس عليها، ولسان حالهم يقول «ما لنا لا نغبر ملابسنا فى سبيل الزمالك ساعة». يجول المتفرجون بين المدرجات، يمضون فى الممرات، يقطعون أعلى المدرج جيئة وذهاباً، وكأن كل منهم يلقى حبيبته بعد طول جفاء، محاولا ألا يترك شبراً من المكان لا يلقى عليه التحية. يجىء دور عناصر الألتراس، الموكل إليهم حمل أوراق «الجلاد»، الذى تتنوع ألوانه بين الأصفر والأخضر والأسود والأحمر، وكل يوضع بعناية هندسية فائقة، بحيث يرفع كل فرد الجلاد المخصص له، حين يدخل اللاعبون إلى الملعب، ليشكلوا فى النهاية منظرا حضارياً، يشبه قرينه فى الملاعب الأوربية. الأمن يقف أمام الجمهور على أهبة الاستعداد، والجماهير يرتدون ملابس كتب عليها «الزمالك أسلوب حياة» و«أسياد أفريقيا». يكملون تنظيم السيمفونية، التى ستعزف فور انطلاق المباراة، تشير الساعة للسابعة والربع مساءً، الفريق الغانى يجرى عمليات الإحماء، ولاعبو الزمالك، حين يهبطون إلى أرضية الملعب، بردائهم الأبيض المميز، تبدأ بعض الجماهير فى تحيتهم بموجة من التصفيق الحاد، فيما يسارع الألتراس المتمركزون فى كل منطقة من أرجاء المدرجات، لإسكات الجماهير، رافعين قبضات أيديهم، مشيرين بالصمت، وعدم تشجيع هؤلاء اللاعبين، الذين أسقطوا سمعة النادى فى الوحل. تدوى صفارة الحكم، ومعها ينطلق الكرنفال فى الاستاد، الجماهير تصيبها حالة من الهستيريا، يقفزون على كراسيهم فى فرح، يغنون «ده نور كل الحياة أغلى ما فى الوجود. ده مهما شمسه تغيب حييجى يوم وتعود. شجع خليك وراه. رمزك هو الصمود. معاه لآخر الكون ده نور كل العيون». تشتعل الشماريخ بأيدى البعض، ويطلق آخرون الألعاب النارية، لتلتحم مع الأعلام الكبيرة التى تعانق السماء، بألوانها البيضاء المتشحة بالأحمر، تزينها صورة العجلة الحربية المنطلقة دافعة الجموع إلى الزئير وتشجيع النادى الأبيض. يحرز محمد إبراهيم لاعب الزمالك هدفاً، يذهب إلى الجماهير رافعاً يديه بالتحية، الجماهير ترد عليه بالسباب، فينكص على عقبيه خائباً، وبدلاً من الفرحة بالفوز تهتف الجماهير لفلسطين «على فلسطين رايحين. شهداء بالملايين»، ثم ترفع المجموعة أعلى المدرج لافتات تحتسب ضحايا مذبحة بورسعيد شهداء عند الله، ولافتة جديدة تحمل رسالة تضامنية مع سوريا وبورما. تمضى المباراة متثاقلة، لا تنظر إليها عين أحدهم، بينما يتواصل التشجيع بلوعة المشتاق، وحين يكاد الحماس يخفت، يسير بين الجماهير قيادات «الجروب»، ليشدوا من أزرهم، ويذكروهم بالغياب الطويل عن الملاعب، والكيان الذى يستحق منهم حبالهم الصوتية، وفى تلك اللحظة يمر بائع متجوّل يبيع العصير بخمسة أضعاف ثمنه، ويكاد الجمهور يفتك به لولا أنه سارع بالهرب. يضع لاعب فريق تشيلسى هدف التعادل، لا يأبه فرد من الجمهور بالهدف، يواصلون الزئير، يكيلون الشتائم لمجلس الإدارة بالكامل، وممدوح عباس وإبراهيم يوسف وخالد الغندور على وجه الخصوص، يتذكرون بالخير اللاعب محمد عبدالشافى وفريق كرة اليد، ويطالبون اللاعبين، بالاقتداء برجولتهم. ينتهى الشوط الأول على الهتاف الشهير «مش ناسيين التحرير»، والذى يذكر رجال الداخلية بالثورة «اللى كانت بالنسبة لكم نكسة»، على حد هتاف الجماهير. بداية الشوط الثانى بدت أقل حماسة، لاسيما مع نشوب مشاجرة بين الجماهير بين شوطى المباراة، ظهرت خلالها الأسلحة البيضاء، وكاد أحدهم أن يسقط من أعلى المدرج، فيما رسالة جديدة ترفع على لافتة بيضاء كتب عليها «استمرار القمع يولد استمرار المقاومة». تهتف الحشود لمجلس الإدارة «ارحل يعنى امشى ياللى ما بتفهمشى».