يحكى أن "بهلول" كان رجلًا مجنونًا في عهد الخليفة العباسي "هارون الرشيد"... ومن طرائف بهلول أنه مّر عليه "الرشيد" يومًا وهو جالس على إحدى المقابر فقال له معنفًا: يا بهلول يا مجنون متى تعقل؟. فركض بهلول وصعد إلى أعلى شجرة ثم نادى على هارون بأعلى صوته: "يا هارون يا مجنون متى تعقل ؟" فأتى هارون تحت الشجرة وهو على صهوة حصانه وقال له: أنا المجنون أم أنت الذي يجلس على المقابر! فقال له بهلول: بل أنا عاقل! قال هارون: وكيف ذلك؟ قال بهلول: لأني عرفت أن هذا زائل وأشار إلى "قصر" هارون وأن هذا باق وأشار إلى "القبر"، فعمرت هذا قبل هذا، وأما أنت فإنك قد عمرت هذا - يقصد قصره - وخربت هذا - يعني القبر - فتكره أن تنتقل من العمران إلى الخراب مع أنك تعلم أنه مصيرك لا محال، وأردف قائلًا: فقل لي أينا المجنون؟ فرجف قلب هارون الرشيد من كلمات بهلول وبكى حتى بلل لحيته وهو يقول: " والله إنك لصادق!" ثم قال: زدني يا بهلول فقال بهلول: يكفيك كتاب الله فالزمه قال هارون: ألك حاجة فأقضيها ؟ قال بهلول: نعم ثلاث حاجات إن قضيتها شكرتك! قال هارون: فاطلب قال بهلول: أن تزيد في عمري قال هارون: لا أقدر قال بهلول: أن تحميني من ملك الموت قال هارون: لا أقدر قال بهلول: أن تدخلني الجنة وتبعدني عن النار قال هارون: لا أقدر قال بهلول: فاعلم إنك مملوك ولست ملك ولاحاجة لي عندك!! ولذلك لا تقلل من شأن أحد فقد يكون أعلم منك بأمور تجهلها، وينطق بما لا تستطيع حتى فهمه، وكذا هذه رسالة إلى أي حاكم إسمع لبسطاء الناس فقد تجد عندهم ما لم تجده عند أكبر المستشارين أوالخبراء؛ فالحكمة تأتي من عند الله على لسان عباده بدون درجات علمية ولا تثقيفية فهي منحة ومنة من الله سبحانه وتعالى.