هي من علمتني الحياة، وسهرت ليالِ تروي لي حواديت الزمان، لقد تربيت تحت ظلالها، أحتمي بين أطرافها خوفًا، وأرتوي من سلامها الداخلي ما يحفظني ويسترني، فهي درع الحماية لي منذ ولادتي، حتى وإن صار العمر بي يجري لتستظل هي بي، فمازالت قوتها المفرطه إزاء أبنائها "أنا وأخي"، تسعى دومًا للحفاظ عليها تجاهنا. أتذكرها حينما كانت تدق باب الفصل لتظهر أمام الجميع، وعيناها تبحث عني لتسأل عن مستواي التعليمي، كما أراها تدق بكفين رقيقين حين يهتز جسدي مرضًا ولسان حالها "ربنا يشفيك"، وأتأملها ساجدة بين يدي الله ودعواتها تحاكي أرض مصلاها، لتصعد إلى السماء بين جواهرًا من صدق الدعوة وشغف الاستجابة أتحدث عن أمي التي حملتني وأطعمتني وكبرتني وربتني ودفئتني بين أحضانها الهادئة، كما احتوتني وحامتني وجعلت من الليل نهارًا تحتل شموس الأمان سماءه، وحولت يابس الأرض الجافة في بعض أيامي نهرًا يجري بين قطراته سماحة القلب وعطر الريحان ومرت الأيام ورحلت أعوامًا كثيرة، وكتبت بين سطورها علاقتنا بأمًا ليس كمثلها أم، حتى أصبحت أخشى سرد ما بداخلي لها، ليس خوفًا منها بل خوفًا عليها من أن تحمل همي أكثر من ذلك، فرغم بلوغي عام ال24 في يوم "عيد الأم" أيضًا، لا تمانع هي من أن تعبء بداخلها رواياتي وحكاياتي التي تغلفها مشاكل الحياة، ولكني أمنع نفسي أملًا في راحة بالها التي لم تنل عيناي يومًا في رؤيتها. كما أشاهدها تجلس وبين أفكارها اسمي يتردد قلقًا على حاضري ومستقبلي، وأراها تتفهمني دون أن أنطق حرفًا عما يحزنني أو يفرحني، وأجالسها في خيالي حينما نعجز عن الجلوس سويًا، نظرًا لظروف عملي أو عملها أم سفر إحدانا إلى الخارج. الأن أترك يداي تكتب بقية المقال الذي اعتبره خلاصة 24 عامًا، وأترك العنان لخيالًا لم يكف يومًا عن تكوين ذكرياتًا بطلتها أمي، لأقول لها "أحبك .. أحبك .. أحبك"، ويقول قلبي "أحبك.. أحبك.. أحبك"، ويداي تكتب "أحبك .. أحبك .. أحبك". خلاصة القول: "سبحان من سماها جنة الدنيا".