لا أحد فى المجتمع المصرى على أى مستوى من المستويات يحب أن يتم انتقاده. ثقافة المجتمع المصرى وإرثه التاريخى منذ عهد أول فرعون كان يعتمد على مبدأ «الحاكم الإله» الذى بيده المال والسلطة والسجن، لذلك لم يكن غريباً أن يتم تعريف مصر تاريخياً بأنها أول من عرف فكرة الدولة، والإله، والسجن. هذا المثلث مع اختلاف الأنظمة ظل قائماً لا يمكن تعديله بإصلاح من داخل النظام أو بقيام الحكم طواعية بتطوير قواعد النظام السياسى الاجتماعى، ولكن من خلال عناصر ضاغطة على الحاكم. عناصر الضغط كانت إما غزوا خارجيا وإما مذبحة دموية من قوى معارضة وإما انقلابا عسكريا وإما ثورة شعبية. عرف أهل مصر أول ثورة شعبية منذ عهد «بيبى الثالث» فى المرحلة الفرعونية رفضاً لفساد وطغيان السلطة وبيع كهنة المعبد ضميرهم لصالح الحاكم ضد مصلحة الشعب. أما الأنظمة الديمقراطية التى نشأت فى مرحلة الديمقراطيات الصناعية فإنها ابتدعت نظام شبكة واقية لضمان فساد النظام تقوم على مبدأ ال(check and Balance) أى الاختبار والتوازن داخل النظام. هذا النظام يساعد بشكل دائم ودورى على مراقبة أداء المؤسسات والسلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، بحيث يضمن أن تصحح نفسها من الداخل ومن خلال مراقبتها لبعضها البعض. وحينما تحدث أزمة أو إشكالية سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، فإن أول إجراءات تصحيح النظام لنفسه هى الإجابة عن السؤال الأساسى والأهم، وهو «كيف حدثت الأزمة؟ ومن المسئول عنها؟ وكيف نضمن عدم تكرارها؟». هذه الأسئلة بالغة الأهمية لكن الأهم منها هو أنه حينما يتم البحث عن إجابات صحيحة ودقيقة عنها، يتعين أن تكون الإجابات موضوعية بعيدة عن الثأر الشخصى أو تصفية حسابات بين قوى وأخرى. التشخيص الدقيق للمرض بعيداً عن الأهواء والمصالح والعواطف هو الطريق الوحيد العلمى والموضوعى لعلاج المريض والوصول به إلى حالة الشفاء وضمان عدم حدوث أى انتكاسة له. للأسف الشديد نحن لا نحب من يوجه لنا نصائح حتى لو كانت فى غرف مغلقة، ونكره توجيه اللوم فى العلن ونعاقب من يوجه إلينا أصبع الاتهام. لا يمكن أن يكون هناك إصلاح دون فكر إصلاحى، ولا إصلاح دون مكاشفة، ولا مكاشفة دون موضوعية، ولا موضوعية دون معلومات، ولا معلومات دون شفافية، ولا شفافية دون ثقافة الرأى والرأى الآخر، وهذا أمر لا ينشأ إلا من خلال أسلوب تعليم يقوم على إعمال العقل وليس النقل. نلف وندور ونعود إلى أن آفة هذا المجتمع هى أنه ما زال يعيش فى مرحلة الفكر الفرعونى. الإضافة الجديدة التى نعيشها الآن هى أننا بعدما نعطى الحاكم دور الحاكم الإله، صاحب قرار الاعتقال والإفراج من السجون، أصبحنا أيضاً نعطيه دور المسئول الوحيد والحصرى عن كل أنواع الإخفاقات فى حياتنا. قبل أن نثور على حكامنا يجب أن نبدأ ثورة على النفس!