يبدو أننا فى البداية لا بد أن نعرّف مصطلح «المواطن الغلبان»، حتى لا يغضب إخواننا اليساريون مثلاً، فنسأل من هو «الغلبان»: هل هو السايس الذى يحتل شوارع مصر «فى غيبة مسئول الحى» ليبتزك وأنت تركن السيارة فى شارع مملوك للشعب؟.. أم أنه عامل النظافة الذى يقف على الكبارى بمكنسة وزى رسمى ويتسول؟.. أم أنه صاحب «عربية الكبدة» الذى اختطف الرصيف «والحى أغمض عينيه» ليسترزق؟! وهل من حق هؤلاء مثلاً أن يتقاسموا معك سيارتك أو يقتحموا منزلك ويشاركوك سريرك لأنهم «غلابة»؟.. وهل تقبل، باسم «الاشتراكية والإنسانية»، أن ينتزع أحدهم محفظتك لأنه «يا حرام» جوعان وملابسه مهلهلة وبيده موبايل آخر موديل؟! إن كنت تقبل بذلك، فسوف أرفع لك القبعة وأصدق أن «حرامية البنزين» فى حادث كسر ماسورة البنزين بالبحيرة «غلابة»، وأن الغلابة الشرفاء من الشعب المتدين بطبعه تجمّعوا بكل حماس لتعبئة جراكن البنزين بمنتهى الإحساس بالفوز ومكايدة الحكومة.. وكأنهم زرعوا الأرض برسيماً فأثمرت بنزيناً، أو أن السماء تدخلت لتفجر لهم «نبع البنزين».. وبالتالى فهم ليسوا لصوصاً ولا فسدة مثل ملايين الشعب ممن ينهبون دخلنا ب«الدروس الخصوصية» أو يتاجرون بأعضائنا لحساب أثرياء الخليج ولا هم من أهالى صعيد مصير الذين ينقبون عن الآثار تحت بيوتهم ويستولون عليها باعتبارها من «الركاز فى الأرض»!. إن تفهّمت احتياجات «الغلابة الكيوت» وأحللت لهم سرقة المال العام، فعليك أن تقبل باستحلال الغلابة لأموالك وممتلكاتك الخاصة.. أو أن تكف عن نشر سيمفونية «الصعبانيات والكهن» على مواقع التواصل الاجتماعى، ونشر فكرة اللصوصية والسطو على أموال الدولة باعتبار أن الدولة هى من جوّعتهم وأفقرتهم ودفعتهم للاستيلاء على ما يقع تحت أيديهم.. فالشرائع السماوية والقانون الوضعى لم تفرق بين «المال العام والمال الخاص» فى تعريف السرقة! سوف يعترض أشاوس اليسار ومفكروهم ومناضلوهم (بمنهج خُلقنا لنعترض) وهم يبررون فضيحة أخلاقية، ويجعلون من مصطلح «غلبان» حصانة ضد الشرع والقانون وعباءة تمنحهم صك الشرف والطهر و«حسن النية»، وكأن الفقر مبرر للجريمة.. ولكن المهم ألا يقع أحد الأشاوس فريسة لتلك الجريمة! دعك من حادث انفجار ماسورة البنزين فى البحيرة، وانظر إلى الشعب الخلوق «الكيوت المسالم الحرامى بالفطرة» وهو يلتف حول مقطورة محملة بالبطاطس، انقلبت على على طريق العاشر من رمضان بالشرقية، وتسبب انقلاب السيارة فى توقف حركة المرور لأكثر من نصف ساعة.. وبدلاً من أن يتسابق الجميع لنجدة السائق ومساعدته فى تسيير حركة المرور، تهافت عدد من المواطنين لجمع البطاطس و«سرقتها»، ورأيت فى فيديو الحادث شباباً يخلع الجاكيت لتعبئة البطاطس.. فسّر لنا الدافع فى سرقة مواطن مصر آخر «غلبان» يبحث عن «لقمة عيش حلال» تعرّض لنهب حمولة سيارته وهى عهدة وكيف سيتصرف مع مالك البضاعة؟! نحن أمام كارثة اجتماعية أسقطت ورقة التوت عن الجميع، وعرّت الضمائر الميتة، وأدانت كل من يتحدث عن الفضيلة ومكارم الأخلاق، بل والحلال والحرام، لأنه فشل فى توصيل رسالته للناس. الأغرب من ذلك كله أن تجد «هشام آمنة»، محافظ البحيرة، يخاطب مديرية التضامن الاجتماعى لعمل حصر شامل للضحايا والمصابين والمضارين فى حادث حريق تسريب بنزين من خط بترول أنابيب بمركز إيتاى البارود، وسرعة صرف التعويضات اللازمة وفقاً لقانون 86 لسنة 2019. رغم أن التكييف القانونى لما حدث، بحسب تصريحات «ياسر سيد أحمد» المحامى بالنقض والخبير القانونى لجريدة «الوطن»، هو أن «المواطنين الذين حصلوا على البنزين قبيل اشتعال النيران فى خط بترول إيتاى البارود بمحافظة البحيرة، يحق للنيابة العامة أن توجه لهم تهمة سرقة المال العام، والتحقيق معهم وإحالتهم للمحاكمة».. وفسّر الخبير الموقف القانونى للمتهمين، مؤكداً أن الواقعة لا تحتمل حسن النية، لأن الجميع يعلم أن البنزين مال عام وليس مملوكاً لأشخاص ولم يدفعوا مقابلاً له، ما يؤكد القصد الجنائى فيها وثبوت الاتهام على كل من شارك فى الواقعة! علاوة على أن صاحب الأرض التى وقع بها تسريب خط الوقود الذى اشتعلت فيه النيران، بقرية «المواسير»، وهو مهندس زراعى، محرر ضده محضر مسبق بسبب كسر خط الوقود فى أرضه، وذلك قبل اشتعال النيران به.. وما زالت النيابة تحقق فى القضية. لكن الناس «من ضعاف القلوب المسهوكين» تعاطفوا مع أصحاب التكاتك والجراكن الذين احترقوا بنيران سرقتهم.. وأعلنوا تضامنهم الكامل مع «الحرامية الطيبين».. دون أن نعلم شيئاً عن ثروات «المسهوكين» ودون أن يتبرعوا بمليم لأحد ضحايا الحريق. إن شئت أن تعرف «الفقير» الذى يستحق الشفقة والاحترام ورفع القبعة، فهو من وصفته الآية الكريمة: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِى الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) سورة البقرة - 273. هؤلاء تعسَّر عليهم الرزق بسبب المرض أو الشيخوخة وعجزوا عن كسب الرزق.. ولكن تأمل معنى «التعفف» فى الآية ستجد فيه الصبر والكبرياء والرضا وعدم الطمع فى ما فى يد الغير.. الفقير عفيف شريف وليس سارقاً أو محتالاً أو نصاباً.