العلاقة بين الإخوان والإعلام معقدة وملتبسة، سواء على مستوى الرؤية أو الممارسة (النظر أو العمل)، فالإخوان وعموم التيار الإسلامى يخافون من الإعلام، ويرغبون فيه، وينظرون إليه كسبب رئيس فى هدم الأخلاق ونشر الفساد وإثارة المعارضة للرئيس مرسى وحكم الإخوان. لكن خوف الإخوان من الإعلام لا يمنعهم من محاولة السيطرة عليه وتوظيفه لصالحهم، لأنهم فى الواقع يعانون من موقف غريب ومتناقض، يتمثل فى أن هيمنتهم السياسية لا توازيها هيمنة إعلامية، وبالتالى هم يحاولون فرض هيمنتهم على الإعلام، وهى محاولة صعبة ومحكوم عليها بالفشل لأنها تقوم على افتراض نفى الآخر وعدم احترام التعدد والتنوع فى الإعلام، والأهم عدم استيعاب تكنولوجيا الاتصال والبدائل التى تتيحها خاصة فضاء الإنترنت والإعلام الجديد. لذلك طفت على السطح ممارسات وأفكار تنتمى إلى عصور الاستبداد، منها تعيين رؤساء تحرير موالين، وإغلاق قناة تليفزيونية، وتحويل صحفيين إلى القضاء فى تهم تعرضهم للحبس، ثم التفكير فى فرض رقابة سابقة على القنوات الخاصة، وهى كلها ممارسات لن تقيد حرية الإعلام، لأن القنوات الخاصة يمكن أن تبث من خارج مصر ودون استخدام النايل سات أو العرب سات، كما أن الصحفى والمدون لديهما ألف طريقة للوصول إلى الرأى العام عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى. الغريب أن التيار الإسلامى والإخوان أنفسهم استفادوا من وسائل الاتصال والإنترنت فى نشر أفكارهم والترويج لخطابهم، وكانت لهم تجارب مبتكرة فى إنشاء شبكات اتصال موازية للإعلام الرسمى -الحكومى والخاص- فى عصر مبارك، مكنتهم من الانتشار بين الناس والتقليل من الآثار السلبية للدعاية الرسمية ضد الإخوان. وانفجرت الثورة رغم التفوق والهيمنة الكمية لإعلام مبارك، ومع ذلك ظل الإخوان على قناعة، لا تخلو من مبالغة، بأن الإعلام قادر على صناعة الأحداث والتلاعب بمشاعر وعقول الناس، ورغم أن بحوث الإعلام وتجارب الشعوب عبر العالم أثبتت أن تأثير الإعلام نسبى ومحدود وأنه يعمل ضمن ظروف موضوعية، فإن الإخوان والتيار الإسلامى يؤكدان العكس، فالإعلام بحسب وجهة نظرهم السبب الرئيس فى انهيار الأخلاق ونشر الرذيلة، وإثارة الفتن والمؤامرات ضد الإسلام والمسلمين! وبالتالى كان خطاب الإسلام السياسى تاريخياً معاديا لمعظم ما يقدمه الإعلام، ولا يميز بين نشر الأخبار وبرامج التسلية والفنون السمعبصرية التى تقدم عبر وسائل الإعلام، فكل هذه الأشكال والمضامين بعيدة عن الإسلام، ولا بد من منع بثها وتقديم مضامين إسلامية، وفى هذا السياق ظهرت موجة التنظير للإعلام الإسلامى، التى لم تسفر عن شىء حقيقى بل كانت مجرد كلام إنشائى مرسل، لا يمت للإعلام كعلم أو مهنة احترافية بصلة، وإنما يؤسس لتمييز مرفوض بين إعلام إسلامى وآخر غير إسلامى! والأهم أن التيار الإسلامى لم يقدم نماذج عملية تجسد ما يعرف بالإعلام الإسلامى، خاصة فى مجال الأخبار والتسلية، لقد تحدثوا عن التزام الإعلام الإسلامى بالصدق والدقة والتوازن والوسطية، ومراعاة القيم الأصيلة للإسلام، وهى قواعد ومعايير منصوص عليها فى القواعد المهنية ومواثيق الشرف الإعلامى فى العالم، أما مسألة الالتزام بقيم الإسلام فهى مفهومة ومعمول بها عندما تلتزم قناة أو إذاعة مصرية أو مغربية بثقافة مجتمعها. والمفارقة أن نماذج ما يعرف بالصحف والقنوات الإسلامية حققت فشلاً واضحاً، فقد حصرت مضامينها وجمهورها فى نطاق محدود، وانعزلت عن المجتمع، ولم تنجح أيضاً القناة الإخبارية الوحيدة التى أطلقها الإخوان بعد الثورة، حيث تحولت إلى أداة دعائية وعجزت عن المنافسة الإعلامية. والخوف الآن من محاولة الإخوان تحويل القنوات الحكومية إلى نماذج جديدة للفشل، أو وضع مواد فى الدستور تقيد حرية الرأى والتعبير وحرية الإعلام. لذلك أرجو من الإخوان التخلى عن استهداف الإعلام، واحترام حريته، وهى ممارسة صعبة عليهم لكنها ممكنة إذا تخلوا عن أفكارهم وخطابهم القديم عن الإعلام، وتحرروا من مخاوفهم بشأن التأثير الهائل للإعلام.