دائمًا ما تكون الشعوب في موضع المجني عليهم أو المستضعفين في الأرض، دائمًا ما تكون راسخة في العقول فكرة أن الحكام هم كائنات مفترسة تجمع المال والسلطة وتطغى في البلاد ويجب أن يكون مكانها في النهاية إما السجون أو عذاب النار في الآخرة. لماذا لا نتوقف قليلاً عند هذا الأمر؟ هذه الثوابت تحتاج إلى إعادة صياغة وتصحيح الأفكار المتأصلة في عقولنا، لماذا لا تكون الشعوب مخطئة بعض الشيء، هل هي كائنات ملائكية معصومة من الخطأ؟ والحكام مخلوقات شيطانية تستحق كل أنواع العذاب؟ هل ذكرنا قبل ذلك ما الذي يحول الحكام إلى ذلك؟ لا بد أن أحدهم سيبادر بإجابة أن السر يكمن في (كرسي الحكم) هو الذي يحول الحكام من إنسانيتهم الفطرية إلى كل خصائص الطغاة وكأن هذا الكرسي به سحر يستشري في جسد الحكام، يجب أن نتوقف قليلاً وننظر إلى أنفسنا، نحن الذين دائمًا في مدرجات المجني عليهم يجب أن نكون في قفص الاتهام، ونتوقف عن فكرة أننا ضحايا فنحن جناة ومشتركون في الجريمة بشكل أساسي أجرمنا في حق أنفسنا. فنحن من نصنع الفراعين، نحن أبرع من يحول الحكام إلى هذه الدرجة من الطغيان والفرعنة، ربما نفتقر لسياسة الواقعية أو الحكم على الأمر وباستقلالية، فكل أدوات الدولة الرسمية وغير الرسية تمتلك طاقة من الوفاء والإخلاص غير المتناهي لكل حاكم على طريقة عاش الملك مات الملك، كل الأجهزة قد وهبت نفسها للحاكم وسلطتة وليس لشعب؟. تبعد عنا فكرة الاستقلال ونبتعد عنها وكأنها شبح مخيف حتى لو أن الحكام لم يكن لديهم النية لاستغلال هذه المؤسسات لتلميع سياسته بكل أشكالها، هذه الأدوات لن تترك له ذلك بل ستقدم نفسها لخدمة الحاكم وتلميع وتعظيم وإظهارها في صورة المخلّص العظيم أو المهدي المنتظر، هو المعصوم من الخطأ هو صاحب الفضل والمنّة هو الوطن ومَن يخالف ذلك فهو الشيطان في أبشع صوره، لا يتوقف ذلك على الأجهزة والمؤسسات فقط فالشعب لا يتوانى في إلقاء كل صفات الكمال على الحكام والمبالغة غير المتناهية في قدرته الخارقة والتمعن في الانتقام من أي شخص تسول له نفسه مخالفة أو انتقاد ما تقوم به الشعوب، حتى يتحول الحاكم إلى فرعون يحكم من حوله من مؤسسات وشعب وحاشية بطريقة الفراعين القديمة، وبالتالي تخرج الجماهير منتقدة وتتمنى إرسال الحاكم إلى غياهب الجحيم فهو ما يستحقه الشيطان، ونبذل الغالي والنفيس وتزهق الأرواح في سبيل ذلك، ونتناسى أننا مَن صنعنا هذا الفرعون ونحن من صنعنا مَن قبله ونحن من نصنع الفراعنة.