دار اجتماع فى بيتى فى منتصف الليل بعد يومين فقط من نجاح الثورة التونسية وسقوط نظام زين العابدين وحضر هذا الاجتماع ممثلو عدة مجموعات إسلامية من خمس محافظات مصرية ممن شكلوا نواة مشروع الجبهة السلفية فيما بعد وكان النقاش يدور حول مدى إمكانية قيام هذه المجموعات بثورة على غرار أحداث تونس الخضراء، تبدأ بإحراق صور مبارك ووريثه فى ساعات الفجر الأولى ثم التجمهر بالميادين الرئيسية فى تلك المحافظات والهتاف ضد النظام. وجُوبه الاقتراح بالرفض لأن انفرادنا كإسلاميين بهذا العمل سيعنى تنكيل النظام بنا أيما تنكيل وجعلنا عبرة لمن يعتبر وهذا من شأنه أن يجهض أى عمل شعبى قد يفكر شباب مصر فى القيام به على غرار ثورة تونس؛ وكان قرارنا الانتظار حتى إذا حانت الفرصة كنا أول المشاركين. وكانت المفاجأة أن أعلنت عدة مجموعات شبابية علىالإنترنت الاحتشاد يوم الخامس والعشرين للاحتجاج على سياسات النظام والمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة؛ وكان لا بد لنا أن نشارك منذ اللحظة الأولى وحتى قبل أن يشارك مشايخنا فى القاهرة وغيرها بثلاثة أيام فى يوم جمعة الغضب العظيم؛ وقد عقدنا اجتماعاً مع إخواننا من شباب الدعوة السلفية السكندرية لإقناعهم بالمشاركة إلا أن اجتهاد جماعتهم استقر فى النهاية على عدم المشاركة، كما التقينا خلال هذه الفترة بممثلى القوى السياسية التى شاركت فى الثورة كحركة 6 أبريل وحركة التغيير والتيار اليسارى والإخوان المسلمين وغيرهم. دارت بذهنى كل هذه الذكريات وأنا أتأمل المشهد السياسى اليوم فى مصر وبعد مرور عام ونصف على نجاح ثورتنا التى مثلت بالنسبة لنا انعتاقاً من سنين الذل والقهر والهوان، وقد كنت أعتقد أن الزمان قد دار دورته وأنه سينتقل بنا إلى عصر أرحب من المشاركة البناءة والمؤاخاة وحب الوطن؛ إلا أن ماجرى ويجرى وللأسف الشديد يدل على أننا لم ننتقل إلى زمن الثورة فحسب وإنما انتقلنا إلى زمن العيب أيضاً!! وليس أدل على هذا من أن جميع الفئات الثورية قد تم تشويهها بلا استثناء؛ ليست فقط 6 أبريل وكفاية وحركة التغيير وإنما الجبهة السلفية ورموزها أيضاً؛ والعجيب أن التشويه قد أخذ صورة الحملة المنظمة منذ اللحظة الأولى التى صرحت فيها الجبهة بأنها ستشارك فى العملية السياسية القادمة بقوة ولن تكتفى بدور الداعم!! أعرف أن الجبهة قد أزعجت الكثيرين فى الفترة السابقة إلا الثوار الحقيقيين والوطنيين المخلصين الذين تربطنا بهم روابط وثيقة ووشائج قوية منذ أول يوم فى الثورة ومروراً بطرد شفيق وأحداث مسرح البالون ولاللطوارئ وأحداث السفارة وجمعة تسليم السلطة ثم محمد محمود ورئاسة الوزراء وكشوف العذرية وتعرية بنات البلد ثم أحداث وزارة الداخلية بعد مذبحة بورسعيد ثم أحداث العباسية وغيرها كثير من مواطن البطولة والكرامة التى سالت فيها دماؤنا ودماؤهم سوية على ثرى مصر، وأكاد أجزم بأن مواقفنا الإسلامية بالتصور الصحيح من وجهة نظرنا لم تزدنا من الشباب الثائر فى ربوع مصر إلا قرباً واسألوهم. غير أن الهجمة المشبوهة حولت كل هذه البطولات والمواقف الثورية والإسلامية فى آن واحد وبقدرة قادر إلى مواقف تكفيرية تقع فى أقصى يمين السلفيين!! وعلى سبيل المثال؛ فموقفنا الرافض للصلاة على عمر سليمان سواء اتفقت معنا أو اختلفت بسبب جرائم النظام السابق التى كان هو ضالعاً فيها بصفته وموقعه تم تأويلها على أنها دعوة لتكفير الرجل وإخراجه من الجنة!! مع أنه لا تلازم بين تكفير الناس وبين هجرهم أحياءً أو أمواتاً بسبب جناياتهم، وعلى الفور خرجت الميليشيات الإعلامية المدججة بالأكاذيب للولولة على اللواء عمر سليمان وإظهار محاسنه!! والعجيب أنهم جنحوا مؤخراً لا للسلم وإنما للتلفيق فذيلوا بيان السلفية الجهادية الصادر بسيناء الذى يعلم الله وحده صحة نسبته إليهم من عدمها؛ ذيلوا ذاك البيان بتوقيع «الجبهة السلفية بسيناء» لضرب فعالياتنا هناك مع علم الجميع أن الجبهة لا صلة لها بأى ممارسات جهادية أو عسكرية مطلقاً وليس هذا من منهجها، بينما سارع بعض الإسلاميين ممن لم يشموا رائحة الثورة بأنوفهم للتنديد بالتكفيريين فى سيناء وإطلاق التصريحات بهذاالخصوص!! إننا حقاً فى زمن العيب.. فقد رأينا من لبسوا لبوس الثورة وهم يطالبون قبل انتخابات الرئاسة بمد حكم العسكر سنتين أو ثلاثا لمجرد احتمال وصول «إسلامى» إلى سدة الحكم فى مصر، قبل أن يدعموا شفيق مرشح نظام مبارك، ورأينا «واحد مننا» وهو يدعم نظامى القذافى وبشار، ورأينا وسمعنا جنازة الحريات للاعتداء على الأستاذ خالد صلاح الذى نستنكره ولا شك بينما سكتت النائحات المستأجرة عن سب رئيس مصر والاعتداء على هشام قنديل رئيس وزرائها ود. عبدالمنعم أبوالفتوح المرشح السابق للرئاسة فيها. والقائمة عندى طويلة جداً لكنها ستطال الإسلامى والعلمانى والليبرالى واليسارى مما سيتطلب الكثير والكثير مما لا يتسع له المقام ولكن يمكننى تلخيصه بأننا حقاً فى: زمن العيب.