(1) لا شك أن حكومة الدكتور الببلاوى تولت المسئولية فى ظل ظروف صعبة للغاية، وقد تلقت من السهام وقذائف المدفعية الثقيلة بشكل منظم وممنهج ما يعرفه الجميع.. ونشهد أن الرجل تحمل الكثير، وإن كان قد نجح فى قضايا، فقد أخفق فى قضايا.. لكن أهم السلبيات التى وقعت فيها حكومته هى البطء الشديد والتردد والتسويف، فضلاً عن فقدان الرؤية، وغياب التنسيق والتكامل بين الوزراء، علاوة على الأداء الضعيف للكثيرين منهم، وعدم القدرة على اقتحام المشكلات الحيوية المهمة.. لقد تساءل الكثيرون: هل قدم الدكتور الببلاوى استقالته، أم أنه أقيل؟ ولماذا فى هذا التوقيت بالذات؟ وقد حاول البعض الإجابة عن هذين السؤالين من خلال البرامج الحوارية فى الفضائيات، وعبر المقالات فى الصحف وبعض المواقع.. كان الاتجاه العام الظاهر هو أن الرجل أقيل، وأن الإقالة كانت بسبب الإخفاق فى حل أو علاج مجموعة من المشكلات، تأتى على رأسها الأزمة الاقتصادية والإضرابات الفئوية والعمالية.. المهم أن الرجل حمل أوراقه ورحل.. وعلى وجه السرعة تم تكليف المهندس إبراهيم محلب بتشكيل الحكومة الجديدة، وهذا شىء جيد.. أما لماذا وقع الاختيار على المهندس محلب دون غيره؟ وما معايير الاختيار؟ فلم يصدر -كالعادة- عن رئيس الجمهورية المؤقت ما يفيد شيئا! كما هو واضح، تم الإبقاء على عدد كبير من وزراء الحكومة السابقة، كما لاحظنا وجود تردد وعدم حسم فى اختيار بعض الوزراء، الأمر الذى يحمل أكثر من علامة استفهام. (2) صحيح أن الفترة التى سوف تمكثها هذه الحكومة قصيرة، لكنها تستطيع أن تفعل الكثير إذا امتلكت الأمل والحلم والطموح.. المهام أمامها كثيرة ومتعددة، مشكلة أمنية وأزمة اقتصادية، فضلاً عن المشكلات المزمنة كالتعليم والصحة والإسكان والنقل والمواصلات، وقبل ذلك وبعده ملف نهر النيل.. رغم ذلك، نرجو لحكومة محلب أن تنجح فى تلافى ما وقعت فيه حكومة الببلاوى من سلبيات، كما نتمنى أن تكون على مستوى التحديات الصعبة التى تواجهها، خاصة فى ظل مناخ عام نعلم جميعا أنه سيئ وردىء.. لذا من الضرورى فى البداية أن تقوم الحكومة بتحديد الأولويات وترتيبها وفق أهميتها، وتضع لكل مهمة خطة وجدولاً زمنياً خاصاً بها.. من المؤكد أن المشكلة الأمنية والأزمة الاقتصادية لهما الأولوية الآن، إضافة إلى عبء الإعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية. مطلوب أن يكون لدى الحكومة رؤية استراتيجية واضحة ومحددة، وأن يكون هناك تنسيق وتكامل بين رئيس مجلس الوزراء والوزراء، بحيث تعمل الحكومة بروح الفريق الواحد، بحيث لا تبدو الوزارات وكأنها جزر منعزلة، وأن يتحلى الجميع بالهمة والعزم والإرادة، وأن يصلوا الليل بالنهار فى العمل دون كلل أو ملل.. مطلوب أيضاً أن تكون معول هدم لكل أنواع الفساد فى أى موقع، وأن تضع البسطاء والفقراء من الشعب نصب عينيها.. ومع التخطيط الجيد، والإدارة الواعية، والمتابعة اللصيقة والدقيقة، فضلاً عن الحسم وعدم الخوف أو التردد فى اتخاذ القرارات المناسبة، بعد الدراسة المستوفاة، يمكن أن تحقق الحكومة إنجازاً.. ويجب ألا تنسى أنها أمام مجتمع يعانى من حالة سيولة، وفى مواجهة نخب «لا يعجبها العجب ولا الصيام فى رجب». (3) ويعتبر حل المشكلة الأمنية حجر الزاوية فى علاج الكثير من المشكلات الأخرى، خاصة الأزمة الاقتصادية.. وإذا كانت الأجهزة الأمنية لم تتعاف بعد، بالرغم من الجهد الكبير الذى تبذله والشهداء والجرحى الذين تقدمهم، فهناك دون شك قصور فى الأداء والإعداد، ونقص فى المعلومات، فضلاً عن الإهمال، ومن ثم لا بد من دعم وزارة الداخلية بالإمكانات المادية والبشرية والعلمية والتقنية، مع تطوير العمل النوعى والفنى، وإعادة النظر فى الهياكل الإدارية، وتأهيل القيادات والأفراد ورفع كفاءاتهم، بحيث يكونون قادرين على التعامل المنهجى مع الجريمة، خاصة الجريمة المنظمة، وبما لا يخالف الدستور والقانون. إن موجة الإرهاب التى تواجهها مصر الآن تؤثر سلباً وبشكل مباشر على الاستثمار وقطاع السياحة، وهذا يلقى بظلاله الكئيبة على الأزمة الاقتصادية برمتها، لكن هذا لا يمنع أن تقوم الحكومة بتغيير الرؤية والمنظومة الاقتصادية، وضرورة إعداد البيئة التشريعية المناسبة لها.. كما أنها تستطيع اتخاذ خطوات جادة نحو وصول الدعم لمستحقيه الحقيقيين، وحل مشكلة الحدين الأدنى والأقصى بشكل جذرى.. من ناحية أخرى، يجب على المهندس محلب أن يصارح الشعب المصرى بأن اقتصادنا متردٍ ومتدنٍ، وأنه بدون العمل والإنتاج لن نجد ما نأكله.. على الأقل يجب أن تتوقف الإضرابات الفئوية والعمالية ولو إلى حين، لأنه من العيب علينا -نحن المصريين- أن نعيش هكذا على المعونات، وأن يكون لدينا العزم والتصميم والإرادة للخروج من حالة التسول والشحاذة، كى نقف على أقدامنا ونصنع حاضرنا ومستقبلنا بأيدينا.. وعلى حكومة محلب أن تعمل على كسب ثقة الشعب الذى أفقدته الحكومات السابقة الثقة فيها بسبب كثرة الوعود التى فشلت فى تحقيقها.