لم يعجبنى أسلوب العرض فى المؤتمر الصحفى الذى تم خلاله الإعلان عن ابتكارين أحدهما للتشخيص، والآخر للعلاج من فيروسى الالتهاب الكبدى «سى» و«إتش آى فى HIV» المسبب للإيدز، والأسباب هى نفس الأسباب الوافية التى ذكرها الزميل العزيز د.خالد منتصر فى مقالين ب«الوطن»، وكذلك د.عصام حجى، المستشار العلمى للرئيس، لذا فسوف لا أتطرق إلى هذه النقطة بتفاصيلها، إلا أننى -وبحكم تخصصى وخبرتى فى مجال تشخيص وعلاج الإيدز منذ أن كنت فى الولاياتالمتحدة عام 1985، ومروراً بالاشتراك فى وضع استراتيجيات مكافحة وعلاج الإيدز فى أفريقيا التى تحتوى على أكثر من 70% من مرضى الإيدز فى العالم وحتى الآن- ينبغى أن أتوقف عند عدة نقاط علمية من الواضح أنها غائبة عن فريق البحث، ويجب أن يعلمها القارئ غير المتخصص أو المريض، حتى لا يتم خداعه أو إيهامه بشىء أو علاج غير حقيقى، وإليكم الحقائق التالية: 1- كنت أتمنى ألا يذكر أى شىء عن جهاز العلاج «كومبليت كيور»، وأن تعطى الفرصة كاملة للاحتفاء بجهازى التشخيص «سى فاست» و«آى فاست»، اللذين أنجزتهما الهيئة الهندسية لقواتنا المسلحة، التى نفخر بكل أعمالها ونثق بها. 2- كلمة Cure أو الشفاء التام من فيروس الإيدز ينبغى أن تفهم جيدا، فالأمراض بشكل عام إما أن تكون: أمراض قابلة للشفاء التام Diseases Curable مثل الأمراض البكتيرية التى تعالج بالمضادات الحيوية لفترة معينة تنتهى خلالها الأعراض ويشفى المرض ويتوقف عن تعاطى الدواء، أما النوع الثانى فهو: أمراض قابلة للسيطرة عليها والتحكم فى أعراضها ومضاعفاتها Controllable Diseases، التى ينبغى على المريض فى حالة الإصابة بها أن يظل يتعاطى الدواء باستمرار، وربما مدى الحياة، حتى يظل متحكماً فى أعراض المرض ومضاعفاته مثل السكر والضغط والروماتويد والذئبة الحمراء وغيرها، وانضم الإيدز إلى هذه المجموعة منذ ظهور العلاج بكوكتيل الأدوية منذ عام 1996، بحيث يمكن للمريض أن يعيش حياته بصورة طبيعية طالما أنه يتلقى علاجه بانتظام ودون توقف، ويصبح الفيروس غير مرئى من خلال تحليل «بى سى آر»، وتعود الخلايا التائية المساعدة (مايسترو الجهاز المناعى) التى يهاجمها الفيروس إلى الارتفاع مرة أخرى بعد أن دمرها الفيروس، ومع كل هذا لا نعتبر هذا شفاء تاما. 3- ظلت الأبحاث العلمية تجرى على قدم وساق من أجل إيجاد علاج شافٍ للإيدز Cure، ولكن كانت هناك عدة مشكلات خاصة بطبيعة وتركيب الفيروس الجينى منها: أ- الفيروس يصل إلى المخ والجهاز العصبى المركزى ويكمن Latency على شكل جزيئات كامنة Provirus، مختبئاً داخل خلايا الجهاز المناعى (مثل اللص الذى يلبس ملابس الشرطى ويختبئ فى قسم الشرطة) هرباً من العلاج الذى يقل تركيزه فى هذه الأماكن انتظاراً لتوقف المريض عن تناول الدواء، أو إمكانية تحوره ومقاومة الدواء. ب- يكفى وجود خلية من بين كل مليون خلية سليمة تحتوى على بصمة الفيروس الجينية التى لا تتكاثر حتى لا تتأثر بالعلاج منتظرة اللحظة المناسبة للانقضاض على الجهاز المناعى مرة أخرى، فهل أجرى الفريق البحثى أبحاثاً على الخلايا المناعية فى المخ والغدد الليمفاوية والسائل النخاعى للتأكد من عدم وجود مثل هذه الخلايا التى تحتوى على جزيئات الفيروس الكامنة التى لا تكتشفها تحاليل PCR، والتى تحتاج إلى أجهزة وعلماء على مستوى عالٍ من الكفاءة والخبرات أشك فى وجودهم فى ذلك الفريق مع احترامى لهم؟ ج- المرضى الذين يتناولون العلاج الدوائى لأكثر من عشر سنوات لم تثبت الأبحاث تقليل مخازن الفيروس الكامنة لديهم فى خلايا المخ المناعية، وخلايا المناعة الذاكرة، والغدد الليمفاوية، على الرغم من تحسن الأعراض المرضية لديهم، وسلبية تحليل PCR. وأخيراً فقد أردت من خلال هذا الشرح الموجز أن أوضح سذاجة وسطحية العرض الذى أشار إلى أن نسبة الشفاء من الإيدز وصلت إلى 100%، وأنه شفاء تام، كما أطلقوا ذلك على الجهاز complete Cure، وكان دليلهم على ذلك تحسن الأعراض وأيضاً: صباع الكفتة، وكما أن «القانون مافيهوش زينب»، فالحقائق والأبحاث العلمية «مافيهاش كفتة».