منذ أيام قليلة أطلق السيد حسن نافعة مبادرته للحوار مع الإخوان، والشهيرة بلجنة الحكماء، وبعدما قرأتها تذكرت ما حدث فى 2012 بعد نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية السابقة.. فقد قرر أيامها أغلب الراسبين من المرشحين وأتباعهم ومشجعيهم الخروج فى مظاهرات حماسية إلى ميدان التحرير للاعتراض والصراخ والتهديد، لأن الديمقراطية التى يعرفونها هى أنهم لا بد أن يفوزوا وأن عكس ذلك باطل.. الغريب أنهم توجهوا بعد المظاهرة إلى مقر الفريق شفيق وأحرقوه ولم يتوجهوا إلى مقر الدكتور مرسى بالمثل، مع أن الاثنين كانا مؤهلين لانتخابات الإعادة.. وتوحدت بعد ذلك الجهود والتصريحات ضد «شفيق» بتاتاً وقطعياً.. ولكن مع «مرسى» ممكن واحتمال، وقال البعض إنه مرشح الثورة.. وسارت الأمور، وانفصل البعض بالمقاطعة لأنه لا يريد هذا ولا ذاك مع أن الديمقراطية هو ما تريده الأغلبية وليس ما يريده المزاج الشخصى.. ما علينا.. فوجئنا بشعار مدوٍّ: «نريد مجلس رئاسى».. من الاثنين الناجحين!، قالوا لا وألف لا.. من السبعة الساقطين، وكان العجب العُجاب يسيطر على المشهد العبثى حتى وصل الحل إلى مطار القاهرة، وأطلق الدكتور البرادعى صيحته العنترية.. «شفيق على جثتى ومرسى ممكن ما يضرش.. والا أقولكم نشكل حكومة إنقاذ»!!.. تخيلوا معى الموقف ونحن على أعتاب المرحلة الأخيرة من الانتخابات حتى يأتى رئيس.. أى رئيس للجمهورية وتنتهى المرحلة الانتقالية حتى يستقر البلد، ويستعيد قوامه وإذا بهؤلاء يمسحون كل ما تم وقد تم بصعوبة شديدة ويريدون أن نبدأ شيئاً جديداً، ونقطة ومن أول السطر.. وتساءلت: ألا يريد هؤلاء تغييراً ديمقراطياً بالصندوق؟ ولماذا بعد الانتخابات البرلمانية والمرحلة الأولى للانتخابات الرئاسية التى جاءت ب«شفيق ومرسى» تقوم القيامة وتخرج لنا الحلول البعيدة كل البعد عن المسار الديمقراطى الذى يصرخون من أجله، والذى دفعت فيه الأمة المصرية الكثير من الخراب والقتل والحرق. تذكرت كل هذا عندما قرأت عن هذه المبادرة العبقرية الجديدة التى تأخذنا بعيداً وبعيداً جداً عما تم على أيدينا من مراحل خارطة الطريق وقد أنهينا كتابة الدستور والاستفتاء عليه وكان مبهراً ونستعد الآن للانتخابات الرئاسية فى الوقت الذى تتصدى فيه الشرطة والقوات المسلحة للإرهاب الجبان وللخونة والجواسيس والتكفيريين.. ماذا قال السيد «نافعة»؟ الحوار مع الإخوان هو طوق النجاة!! لماذا؟ لأن المواجهات الأمنية غير مجدية ولا بد من الرؤية السياسية للتعامل مع الأوضاع الراهنة!!.. وأضاف أن هناك ردود فعل إيجابية على المبادرة، حيث وافق عليها حزب الوسط وحزب البناء والتنمية، بينما غضبت من المبادرة النخبة الكارهة للجماعة لأنها تعتبرها إرهابية!! ويجب أن تمد الدولة يدها لمن لم تلوث يده بالدماء.. واقترحت الأستاذ هيكل للرئاسة وعدداً من الإخوان وعدداً من المحبين وواحداً فقط من المقبولين وطبعاً عرض نفسه للمشاركة وله الشرف.. وقال عن الأعضاء إن بعضهم يميل إلى تيار الإسلام السياسى والآخر يميل إلى «السلطة» ولا بد أن يبحثوا عن أرضية مشتركة.. وفى نهاية هذه المأساة طالب بتشكيل لجنة تقصى حقائق «محايدة» للتحقيق فى أعمال العنف منذ يناير 2011 وحتى يومنا هذا، على أن تنتهى فى خلال ثلاثة أشهر.. كفاية كده لأن باقى ما قيل ضار جداً بالصحة. ومن المعانى العظيمة فى هذه المبادرة وشرحها أن الإخوان بيدهم طوق النجاة لو تحاورنا معهم!! وهل تسلط واستقوى الإخوان على الدولة ومن بها من أكثر من ثمانين مليوناً من المصريين حتى نسرع ونهرول لنتحاور معهم حتى لا نغرق؟ وحتى لا تغرق مصر؟.. وهل يصلح الحوار والنقاش والمهادنة مع التفجيرات والقتل والتصفية والذبح والحرق والتخريب؟ وهل يتخيل سيادته أن البحث المضنى الجاد الشاق عمن لم تكن يده تلوثت بالدماء سيسفر عن أحد؟ ألا يعلم أن من لم يضرب بالرشاش فى الصدور ولم يعذب حتى الموت حرض على القتل والتعذيب والتصفية حتى بجوار قصر الرئيس؟ وهل يصح أن ينسى السيد نافعة وهو يضع قائمة الحكماء المتحاورين أسماء «هنية» و«مشعل» و«الظواهرى» و«ممتاز دغمش» والحرس الثورى الإيرانى و«أيمن نوفل» وكتائب القسام ومندوبين عن المخابرات التركية والقطرية والأمريكية، لأنهم صنعوا مع الإخوان طوق النجاة الذى يتمنى لمصر أن تحصل عليه؟ وهل يمكن لهؤلاء وهؤلاء التخلى عن الرشاشات والقنابل والجلوس على مائدة مفاوضات يشارك فيها السيد نافعة؟ وإذا جلسوا، هل يتنازلون عن 40٪ من أرض سيناء للخلافة الحمساوية و60٪ منها لتنظيم القاعدة؟ وهل موافقة حزب الوسط والبناء والتنمية على المبادرة دليل إشادة وفخر وجودة للمبادرة؟ وهل لنا أن نثق فى هذا اللغو بعد موافقة هؤلاء؟.. تقول النخبة الكارهة للإخوان باعتبارها جماعة إرهابية.. ألا تسير فى الشارع المصرى؟ ألا تتحدث مع البسطاء؟ ألا تسمعهم أو تراهم على الفضائيات؟ ألم يَقُص عليك أحد مشاهد ضرب مسيرات الإخوان فى الأحياء الشعبية ومدى الكراهية التى تحيط بهم أينما كانوا؟ أما الطامة الكبرى فهى تشكيل لجنة تقصى حقائق تبحث فى أحداث العنف منذ يناير 2011 وحتى اليوم، وألا تزيد مدة التقصى على ثلاثة أشهر. ورغم أننى لا أفهم معنى تقصى الحقائق فى بلد به قانون جنائى ونيابة وشرطة وبحث جنائى وطب شرعى وقضاء وشهود.. إلا أننى تعجبت من المدة الوجيزة التى طرحها السيد نافعة فى المبادرة المعجزة.. وهى ثلاثة أشهر أى تسعين يوماً.. بينما الأحداث الجنائية من تخريب وحرق وضرب وقتل وسحل وتفجير وتصفية جسدية واستهداف للشرطة والجيش بالتحديد قد تصل إلى أكثر من 1400 حدث، على أساس حدث واحد فى المتوسط فى الأيام منذ يناير 2011 وحتى يناير 2014.. وعلى هذا الأساس سوف تتقصى اللجنة الموقرة عن خمسة عشر حدثاً جنائياً فى اليوم الواحد وهو مجهود غير عادى، لذلك أقترح على السيد نافعة أن يركب الميكروباص الشعبى من فيصل لأرض اللواء ويطرق السمع جيداً وسوف يقول له الركاب من الشعب الكادح المرهق المثقل بالهموم عن الفاعل الأصلى لكل جريمة تم ارتكابها فى حق هذا الشعب، والذى سيكون حسابه عسيراً فى يوم قريب جداً.. وكل مبادرة وأنت والإخوان بخير.