سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحاج يوسف ومقهى الإنترنت.. «الثلاثاء المشئوم» صباح يوم الثلاثاء كان يوماً مثله كبقية الأيام لم ينذر بأن نهايته ستكون اعتقالاً يستمر 14 يوماً فى معتقلات نظام البشير
صباح يوم الثلاثاء كان يوماً مثله كبقية الأيام لم ينذر بأن نهايته ستكون اعتقالاً يستمر 14 يوماً فى معتقلات نظام البشير، استيقظت فى الثامنة صباحاً لكتابة قصة الشهيدة «عوضية» لإرسالها إلى الجريدة، واستيقظت يسرا وأعدت لى كوب الشاى باللبن ومعه رقائق البسكويت ثم اعتذرت لى وذهبت إلى عملها، سألتنى: «هل سنذهب اليوم إلى مكان جديد؟»، أخبرتها بأننى لم أخطط بعد ماذا سوف أفعل «لكنى سأهاتفك إذا جد جديد». الثانية ظهراً تلقيت اتصالاً من مروة التيجانى أخبرتنى بوجود فعالية فى منطقة تسمى الحاج يوسف فى بحرى وهى تريد مقابلتى لأمر مهم فى السابعة مساء، سألتها عنه فلم تجب، أدركت وقتها أنها لا تريد الإفصاح لى عن ماهية الفعالية عبر التليفون، اتصلت بيسرا وأخبرتها فقالت لى إنها سوف تتصل بمروة لتعرف ما الجديد. بعدها بلحظات هاتفنى محمد الأسباط، الصحفى السودانى، ووجه إلىّ دعوة لتناول وجبة الغداء فى مطعم يمنى بوسط المدينة معتذراً لى عن عدم اتصاله بى خلال الفترة السابقة نظراً لارتباطات عائلية خاصة به، أخبرته بأن يسرا سوف تتصل به بعد عودتها من عملها لأننى لا أعلم المكان الذى وصفه لى، وبالفعل جاءت يسرا واتصلت بالأسباط واتفقا على أن يقلنا الأسباط بسيارة صديقه من أمام مستشفى الأمل. وبالفعل قابلنا الأسباط وزميله وانطلقنا إلى المطعم اليمنى المكون من طابقين، صعدنا إلى الطابق الثانى، حيث صالة الطعام المقسمة إلى شقين، الأول للراغبين فى تناول الطعام على الطريقة اليمنية، حيث الجلوس أرضاً متحلقين حول بعضهم البعض والثانى للراغبين فى الجلوس على طاولات. اخترنا الشق الأول وجلسنا فى حلقة عرّفت خلالها الأسباط بيسرا؛ فهذه هى المرة الأولى التى يتقابلان فيها سوياً، كما عرفنا الأسباط بصديقه، لم أتذكر اسمه؛ فهو شخص قليل الكلام يبتسم طوال الوقت ويهز رأسه بالنفى أو الإيجاب، وكل معلوماتى عنه أنه كان يعمل صحفيا فى السودان إلا أنه ترك السودان متوجهاً إلى عدد من الدول العربية كان من بينها مصر. انتهينا من تناول اللحم المندى والأرز البسمتى بالمكسرات ثم توجهنا إلى أحد المقاهى القريبة من المطعم تحدثت مع الأسباط عن مكالمة مروة التيجانى والفاعلية فرد الأسباط بأن كل ما يعرفه عن الحاج يوسف هى الدعوات التى أطلقها نشطاء سياسيون على شبكة التواصل الاجتماعى بشأن وجود مظاهرة فى تلك المنطقة، قلت له إن مروة أخبرتنى بأنها فعالية ولم تعطنى المزيد من المعلومات عبر الهاتف ليتصل الأسباط بمروة ويتفقا على الذهاب إلى منطقة الحاج يوسف. خلال جلوسنا فى المقهى اتصل بى زميلى على المالكى، المصورالصحفى بجريدة «المصرى اليوم»، كان صوته ينم عن ضيق شديد، أخبرته بأن هناك فتاة أخبرتنى بوجود فعالية فى منطقة تسمى الحاج يوسف وأعتقد أنها مظاهرة، وهى لم تخبرنى فى الهاتف خوفا من مراقبته من قبل جهاز الأمن السودانى، سكت المالكى لبرهة على غير عادته وأخبرنى بأن مجموعة من الأفراد قدموا إلى الفندق وأخبروا زميلته عزة مغازى بضرورة الرحيل وأنهما غير مرحب بوجودهما فى السودان وأنه فى حالة عدم مغادرة السودان سيتم ترحليهما من قبل الحكومة. سألته: وماذا عن التصريح الذى تقدمت به إلى جهاز الإعلام الخارجى؟ أخبرنى بأن زميلنا جمعة حمد الله، مسئول الملف السودانى بجريدة «المصرى اليوم»، اتصل بمسئول الإعلام الخارجى، وأخبره أن التصريحات تمت الموافقة عليها، إلا أن المخابرات السودانية رفضت وجود صحفيين فى السودان. وقتها أخبرنى المالكى بأنى أكثر حظاً وأنه عرف حالياً لماذا كان الصحفيين السودانيين يحاولون إقصاءنا عن الذهاب إلى الإعلام الخارجى وتقديم طلب بالحصول على تصريح لممارسة العمل الصحفى وإصرارهم على أننا لا نحتاج إلى هذا التصريح، خاصة أننا كمصريين نتمتع بما يسمى اتفاقية الحريات الأربع، وهى اتفاقية تم توقيعها بين البلدين عام 2004، تقضى بأن المواطن المصرى فى السودان يتمتع بحريات العمل والإقامة والتنقل والتملك على أن يتمتع السودانى بنفس الحريات فى مصر. طلبت من المالكى أن يهدأ وينزل لمقابلتنا ويتوجه معنا إلى فعالية الحاج يوسف قبل رحيله، رفض لأنه سوف يحزم حقيبته ويسافر إلى مصر غداً، خاصة بعدما أضاع 4 أيام أملاً فى الحصول على تصريح بالعمل وبعد إلحاح شديد عليه قال إنه سيقابلنى بعد عودتى من منطقة الحاج يوسف. بعد انتهاء المكالمة أخبرت يسرا والأسباط وصديقه بما حدث لعلى، لم يكن وقع الخبر عليهم صادماً أو مفاجئاً؛ فهو خبر متوقع، انتهينا من تناول الشاى والقهوة وتحركنا بالسيارة إلى منطقة الحاج يوسف، وبعد مسافة ربع الساعة توقفنا أمام مقهى صغير للإنترنت يبدو عليه التواضع الشديد حيث إن بابه تكثر عليه ملصقات شركات المحمول السودانية بينما المقهى لا يوجد به سوى 5 مقاعد فقط. نزلنا من سيارة صديق الأسباط وقبل توجهنا إلى المقهى طلبت من يسرا أن تضع جهاز اللاب توب الخاص بى من حقيبتها حتى لا يمثل عبئاً عليها فى سيارة صديق الأسباط حتى لا نفقده، وبالفعل فتح لنا صديقه شنطة سيارته ووضعنا الجهاز وتوجهنا إلى المقهى. فى البداية لم أكن أعلم أننا فى منطقة الحاج يوسف وكنت أستغرب وجودنا فى المقهى، إلا أن يسرا أخبرتنى بأن مروة سوف تلحق بنا إلى المقهى ومنها إلى مكان الفاعلية، صمتُّ وجلس كل واحد منا على جهاز خاص به وتصفحت حسابى الشخصى على موقع التواصل الاجتماعى ال«فيس بوك» وأرسلت رسالة مشتركة إلى أصدقائى عبير السعدى، وكيل التدريب وتطوير المهنة بنقابة الصحفيين، وسماح عبدالعاطى، زميلتى فى الجريدة، ومحمود كمال، مدير مكتب الأستاذ مجدى الجلاد، بأن موضوع «عوضية» الذى نشرته الجريدة تم تداوله فى السودان ووجد صدى غير متوقع ثم ضحكت قائلة: «ربنا يستر وما حدش يقبض علينا وبالذات المخابرات». لم أنته من كتابة الرسائل حتى جاءت مروة التيجانى التفتُّ للسلام عليها ومحاولة معرفة ما الفعالية وهل لها علاقة بمظاهرة النشطاء السياسيين أم لا ثم عاودت تصفح ال«فيس بوك» لأجد حركة غريبة خلفى، استدرت فوجدت مروة ابتعدت عنى وجلست بجوار صاحب المقهى فيما وُجد 4 أشخاص يحملون عصيا ويطالبوننا بالقدوم معهم. سألتهم: من أنتم؟ وماذا تريدون منا؟ قالوا: سوف تعرفون فيما بعد، قاموا باقتياد كل من كان فى المقهى حتى صاحبه وقبل خروجنا قال لهم الأسباط: «أين تأخذوننى؟ أنا لا أعرفهم، وكل ما أفعله هو تصفح الإنترنت؟»، تركوا الأسباط ورفيقه واقتادونى أنا ومروة ويسرا إلى سيارة تشبه سيارات «البوكس» عندنا ولكن دون سقف ولونها أبيض ولا تدل أرقامها على أنها تابعة لشرطة أو جهاز أمنى. سألتهم للمرة الثانية: من أنتم؟ وماذا تريدون؟ طلبوا منى ركوب السيارة، رفضت وأخبرتهم بأننى لن أركب حتى أتعرف على هويتهم، لم يرد علىّ أحد وفوجئت بأحدهم يقول لهم: ركبوها السيارة.. ليقترب منى اثنان ضخما البنية بشرتهما شديدة السمرة تجاهى إلا أن واحداً من بين 8 أشخاص جاءوا للقبض علينا وقف حائلاً بينى وبينهما وأخبرنى بالصعود إلى السيارة وأنه سوف يخبرنى بكل شىء بعد قليل. ركبنا السيارة أنا ومروة التيجانى بجوار السائق، فيما ركبت يسرا المهدى وصاحب المقهى فى الخلف وحولهما 7 أشخاص يرتدون زياً مدنياً ويحملون أسلحة، وقبل ركوب السائق بجوارنا قمت باستخراج كارت كاميرا الفيديو وإخفائه فى ملابسى، وقامت مروة بوضع الكاميرا فى حقيبتها الكبيرة فنحن لا نعلم ما سوف يخبئه لنا القدر بعد لحظات.