بعد طول عناء وشقاء وتعب وإرهاق غارقة في سُباتٍ عميق، لم أحظ به منذ عدة أيام، أفيق على أصواتٍ غريبة ورائحة دخان تُعبِّق الغرفة، في بداية الأمر، تخيلت إني خير اللهم إجعله خير بأحلم بكابوس، ولكن مع التركيز، تأكدت أن بابا في المطبخ وأنه بيرتكب مصيبةٍ ما. قمت فزعة لكي أنقذ ما أستطيع إنقاذه، محاولة إختراق الدخان الكثيف وصلت المطبخ بعد عناء، لكي أجد أبي العزيز مُمسكًا بطاسة متفحمة تمامًا في يده وبراءة الأطفال في عينيه، سألته: إنت إيه اللي دخلك المطبخ أساسًا إنت مش رجلك مكسورة؟! نظر إلي في غضب: أعملّك إيه ما إنتي نايمه للمغرب يا هانم فقلت أعمل مقلوبة؟. رديت: أولًا الساعة لسه 12 الضهر، ثانيًا: مقلوبة؟؟ طب بذمتك يا بابا إنت عارف مكوناتها إيه اساسًا؟! قال: آه هي قصة يعني؟ شوية حاجات مع بعض وفي قلبهم لحمة ونقلبها؟ قلت: لا بجد، ده إيه السهولة دي؟! بابا روح استريح انت وأنا هأكمّل؟ رد في فزع: لا إنتي لا! (نسيت أقولكم إن الفراخ عملت أحلى شغل)، روحي إنتي يا حبيتي نامي وأنا هأكمل، يلا يا ماما ربنا يهديكي!! خرجت وأنا مازلت لا أعلم سبب اضطهاد الراجل ده لي!!. جلست أنا وأخي، هذه المرة، ننتظر المقلوبة العجيبة اللولبية، وبدأت الأسئلة غير المنطقية المستفزة: هي البسلة ماما شايلاها فين؟ بسلة إيه يا بابا؟ المقلوبة مبتتعملش بالبسلة؟، رد: ردي على قد السؤال وبطّلي لماضة!!، طب هي مش ماما بتحط قرفه ع المقلوبة؟ قرفه إيه بس اللي بتتكلم عليها ده يا بابا!!، ده بنحطها ع البرياني! طب هو الخل فين؟، يا نهار خل!! بابا إنت متأكد إنك عارف يعني ايه أصلا مقلوبة؟! يرد في اقتناع: أسكتي إنتي إيش فهمك في الأكل أساسا يا بتاعة الفراخ إنتي!، إحم.. إيه يا بابا هو إنت كل شوية هتمسكهالي يعني! طب والله لأوريكم!. ونسمع أصوات غريبه عجيبة تصدر من المطبخ، ننظر أنا وأخي لبعضنا الآخر ولسان حالنا هو اللي بنعمله في الناس هيطلع علينا واللا إيه؟، قلت لأخي: ما تدخل تشوف بابا بيعُك في إيه وترحمنا!، رد: وأنا مالي أنا! أنا لي آكل وبس!، قلت: ما هو يا ذكي ده ممكن تكون آخر أكلة تأكلها في حياتك أساسًا!، رد: هو أنا أعتقد بعد اللي جرى لي يوم الفراخ أنا جالي مناعة!، قلت: حتى إنت!! ده أنا أختك يا حنفي؟ مفيش مرة ترفع من معنوياتي كده!. خرج أبي من المطبخ سعيدًا فرحًا بما صنع من إبداع بالنسبة له، عك بالنسبة لنا، وتبدأ مرحلة الاستكشاف أولا ثم الأكل، نظرت إلى أخي لكي أستطلع رد فعله، ولكي أرى هل سيبقى حيا بعد أول ملعقة أم لا؟، وجدته صامتًا يكاد يبلع ريقه بالعافية وينظر لي في هلع!!، نظرت إلى أبي وجدته منقضًا على المقلوبة وكأنها خروف! وقال لنا: هو إنتوا مبتاكلوش ليه؟! ها.. كلوا!!، عاملين بمبدأ، مُجبر أخاك، بدأنا نأكل في صمت!، وسألنا أبي عن رأينا في أكله الفظيع!. قائلة له، وأنا أشعر ببداية تلبُّك معوي: هو آه البسلة ملهاش وجود في المقلوبة؟!، والرز المفروض يكون مستوي!، والملح يبقى أقل بحوالي ربع كيس!، والباذنجان محروق آخر حاجة!، بس تسلم إيدك (ما هو انا كان لازم أقول كده وإلا كنت هأبات في الشارع)!!. وفي آخر الأكلة، قمت أنا وأخي من على طاولة السفرة نتسابق على من يدخل الحمام أولًا ومعدتنا هي اللي.. مقلوبة!!.