كنت قد عدت لتوي من عزاء أحد المعارف وبينما وأنا في طريقي إلى هناك كنت أتوقع أنني سأعيش ليلة روحانية لا مثيل لها أترك روحي تهيم في رحاب الله أعود أنا وتعلق هي هناك. ولكن بمجرد وصولي وجدت أن القعدة صفصفت على عشرة أو عشرين من العالم السميعة. والسميعة هم أولئك المرتزقة الذين يتعاقد معهم الشيخ أو نبطشي الميتم ليشعلوا الميتم حماسة. فيستغلوا هذه الفرصة في تسييح شريط من البرشام يوزع عليهم من قبل النبطشي كهديه مجانية غير مخصصة للبيع. لم أعر كل هذا اهتماما وأصررت على أني سأعيش ليلة قرآنية روحانية. لكن سرعان ما تبدد هذا الشعور بعد سماع أول آيه من المقرئ حيث عم الهرج والمرج أرجاء المكان وتعالت صيحات "الله يفتح عليك يا شيخ.. إيه الحلاوة دي.. الله يرحم أبوك" كانت هذه العبارات الثلاث تتكرر كل آية ولم تكن كفيلة بتغيير شعوري فحسب إنما بتغيير لغتي ومزاجي أيضا وتملكتني رغبة شديدة في الضحك ولم أدري بنفسي إلا وأنا أنادي على عامل البوفيه قائلا "والنبي واحد حلبة حصى هنا وحطلي فيها تسع معالق سكر زي الشيخ" ولم أستطع حتى يومنا هذا أن أفسر نظرات الاحتقار والاشمئزاز التي أطلقها الشيخ وكل الحضور تجاهي!. قراء المياتم يبدأون الميتم بآية "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة" علشان الغدا وآخر الليل يختم بآية "ادفع بالتي هي أحسن" ودي بقى علشان الحساب، يتبع قراء المياتم حمية غذائية خاصة. ويحكى أن والدة أحد القراء المشاهير ذهبت إلى الشيخ كشك تشكي له ابنها حامل القرآن الذي يضربها دائما فأتى الشيخ كشك بالقارئ وقال له أسمعنا بعضا من آيات الذكر الحكيم فلسوء حظه يقرأ "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَر أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً" وأخذ يعيد "فلا تقل لهما أف" بالسبع قراءات وبعد أن انتهى قال له الشيخ كشك: ياااه يا عم الشيخ بقى ربنا بيحذرنا من إننا نقول حتى أوف.. ياااه أومال اللي بيضرب أمه بقى ده يبقى إيه؟!! فكان رد القارئ :لا ما هو بيضربها بس ما بيقولهاش أوف. شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذكر بالإجماع على أنه لا يجوز أخذ الأجرة على قراءة القرآن، وأنه محرم بلا نزاع كونه يقرأ بثمن معين عن آيات أو جزء أو أكثر أو أقل بمال يقرأ به للأموات، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف "تعاهدوا هذا القرآن، وتغنوا به، قبل أن يأتي أقوام يتعجلونه، ولا يتأجلونه" (يتعجلونه) أي: يطلبون أجره العاجل، ولا (يتأجلونه) أي: لا يطلبون الأجر الآجل في الآخرة، فلهذا كله لا يجوز لمسلم أن يبتغي أجرا من وراء عبادة يقوم بها إلا من الله تبارك وتعالى، وعلى هذا فليست القضية متعلقة بتلاوة القرآن فقط، وبصورة خاصة على الحالة التي وصل إليها بعض القراء اليوم، حيث صدق فيهم نبأ الرسول الكريم المذكور آنفا: (قبل أن يأتي أقوام يتعجلونه، ولا يتأجلونه). وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في عدد من المواضع: بسم الله الرحمن الرحيم "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ"(البينة: 5)، "إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"، "فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً" (الكهف: 110). كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". ولهذا أستطيع أن أقول مستندا إلى رأي العلماء أنه لا يجوز مطلقا أخذ أجر على قراءة القرآن أو أي عبادة من العبادات إنما يكون أجره في الآخرة. يا سادة ما هو لما نتاجر بكلام ربنا يبقى منزعلش لما الغرب يشوهوا صورة الإسلام.. إذا كنا احنا شوهناها الأول.. فيه حكمة كده كلنا حفظنها صم "إذا كان رب البيت بالدف ضارب فشيمة أهل البيت الرقص" واللبيب بالإشارة يفهم.