أحلم، كما يحلم كل مصرى ومصرية، بصورة مختلفة تماماً لمصر بعد أن يوافق المصريون على دستورهم الجديد؛ دستور 2014؛ إذ يتطلع شعب مصر مفجّر ثورتى 25 يناير و30 يونيو إلى مستقبل قريب يتخلص فيه من مشكلاته كما نجحت شعوب أخرى كانت فى أوضاع أسوأ مما نحن فيه ولكنها استطاعت تحقيق معجزات فى التطور الاقتصادى والاجتماعى. فقد حققت ماليزيا طفرة اقتصادية وتقنية واجتماعية غير مسبوقة بكل المقاييس حين ألزمت نفسها وأقنعت شعبها بأهمية التخطيط للمستقبل واتخاذ شعار «ماليزيا 2020» هدفاً يعمل الجميع من أجل تحقيقه. ونجحت الهند فى تحقيق درجة عالية من التطوير الاقتصادى والسياسى والتقنى يجعلها الآن مهيأة لتكون القوة الصاعدة فى الاقتصاد العالمى للسنوات القادمة ويرشحها كثيرون من الخبراء والمنظمات الدولية المتخصصة -هى والصين- لتكونا أهم اقتصادات العالم فى 2020. ونحن فى مصر بحاجة ماسة إلى أن يكون لنا مشروع وطنى شامل يجمع عليه جميع أبناء الوطن ويتخذونه منهاجاً للعمل الجاد من أجل إعادة بناء الوطن والارتفاع بمستوى الحياة فيه على أسس من الديمقراطية والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية وتكافؤ الفرص للجميع. إن مشروع الدستور الذى سوف يجرى الاستفتاء الشعبى عليه يومى 14 و15 يناير المقبل هو مشروع مصر الوطنى الذى يجب أن يتبناه المصريون جميعاً باعتباره هدفاً جامعاً يلخص الصورة المستقبلية لمصر التى سنعمل جميعاً مواطنين وحكومة من أجل تحقيقها. ويعكس مشروع الدستور تفاعل أربع منظومات حاكمة للتطور والتقدم فى مصر، وكذا فى أى مجتمع إنسانى هى؛ منظومة التحول الديمقراطى والتطوير السياسى، ومنظومة التنمية المستدامة الشاملة والعادلة، ومنظومة القيم والمبادئ الحاكمة لحركة المجتمع، ومنظومة محددات السلوك الفردى والجمعى. وتوضح مواد مشروع الدستور صورة مصر التى نحلم بها ونريدها ويجب أن نعمل من أجل تحقيقها، حيث إنها تؤسس لنظام حكم ديمقراطى جمهورى يأخذ من النظامين البرلمانى والرئاسى بما يحقق توازن السلطات ويؤكد على دور محورى للسلطة التنفيذية يضمن التناسق بين سلطة رئيس الجمهورية وسلطة الحكومة التى تأتى بناء على انتخابات ديمقراطية حرة، ويتقلص فيه دور رئيس الجمهورية ليكون حكماً بين السلطات لا رئيساً أوحد لها جميعاً. ويكون تداول السلطة على أسس ديمقراطية. ومن ثم فإن مشروع الدستور يتفق مع معطيات النظام الديمقراطى ويتجنب كل مثالب تركيز السلطات فى رئيس الجمهورية، ويؤكد ديمقراطية اختيار رئيس الدولة من بين مرشحين متعددين فى انتخابات حرة وشفافة لا تقيدها أى قيود تنحاز لمرشح دون غيره. ومشروع الدستور يؤسس فى الأساس لدولة مدنية ويخصص باباً لسيادة القانون الذى يعتبر أساس الحكم فى الدولة. وتخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات. والمواطنون لدى القانون سواء فى الحقوق والحريات والواجبات العامة. ويُعتبر مشروع الدستور قمة فى احترام حقوق الإنسان المصرى وتوفير ضمانات دستورية وتشريعية لحمايته من تغوُّل سلطات الأمن والاعتقال وسلب الحرية وتقييد حقوقه فى العمل والتعبير والانتقال والسفر والاستثمار والتملك وغيرها من الحريات والحقوق الأساسية. وتضمّن الدستور نصاً فريداً بين الدساتير المصرية السابقة وهو أن الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصاً. ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها. وسوف تؤدى موافقة المصريين على مشروع الدستور إلى اختفاء الاحتقان الدينى والمشكلات المتكررة بين عناصر من المسلمين والمسيحيين، وإعمال مبدأ المواطنة، فكل المصريين أمام القانون سواء من دون نظر إلى معتقداتهم الدينية. ومن سمات مشروع الدستور إلغاء التمييز بين المواطنين لأى سبب، ومن ثم تم إلغاء تخصيص نسبة 50% للعمال والفلاحين فى مجلس النواب بينما استبقى تلك النسبة فى المجالس المحلية. ومن أهم مميزات مشروع الدستور أنه على حين يرسخ مبدأ التعددية الحزبية ويتيح تأسيس الأحزاب السياسية بإخطار ينظمه القانون، فإنه نص على أنه لا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى، أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفى أو جغرافى، مما يحتم أن تقوم الأحزاب القائمة الآن على أساس مرجعيات دينية بمراجعة الأسس التى قامت عليها وضرورة توفيق أوضاعها حسب الدستور الجديد حتى يُسمح لها بممارسة أنشطتها. ويؤكد مشروع الدستور عدم جواز ممارسة الأحزاب السياسية لنشاط معاد لمبادئ الديمقراطية، أو سرى، أو ذى طابع عسكرى أو شبه عسكرى. كما نص مشروع الدستور على أن تلتزم الدولة بمواجهة الإرهاب، بكافة صوره وأشكاله، وتعقب مصادر تمويله، وفق برنامج زمنى محدد، باعتباره تهديداً للوطن والمواطنين، مع ضمان الحقوق والحريات العامة. وينظم القانون أحكام وإجراءات مكافحة الإرهاب والتعويض العادل عن الأضرار الناجمة عنه وبسببه. وبسبب تراخى الحكومة الحالية فى إصدار قانون للعدالة الانتقالية، حرص مشروع الدستور على النص أن يلتزم مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا. إن المصريين مدعوون للتصويت بنعم على مشروع الدستور وأن يحرصوا على تفعيل مواده وتأكيد حقوقهم وحرياتهم التى كفلها لهم الدستور، والالتزام بأداء واجباتهم العامة حتى تصبح مصر وطناً زاهراً ينعم بالديمقراطية وسيادة القانون.