فى قرار مفاجئ أصدر الرئيس محمد مرسى قراراً بإقالة اللواء مراد موافى، رئيس المخابرات العامة المصرية، وتعيين وكيل أول المخابرات العامة اللواء رأفت شحاتة قائماً بأعمال رئيس المخابرات، وهو الذى حضر أول اجتماع لمجلس الدفاع الوطنى لمناقشة أبعاد وتطورات أحداث رفح وكيفية قيام الجهات المصرية المعنية بمعاقبة القائمين بها وفرض الأمن وهيبة الدولة المصرية فى سيناء، وفى محاولة لفهم أسباب وأبعاد قرار الرئيس محمد مرسى، تجدر الإشارة إلى أنه لم يصدر عن الرئاسة أى تفسير للقرار حتى الآن، وهذا أمر طبيعى فيما يتعلق بهذا المنصب، وإن كان من الضرورى الإشارة هنا إلى أن المخابرات العامة التى توصف بأنها جهاز سيادى هى مؤسسة للدولة المصرية وتتبع مباشرة السيد الرئيس، وبالتالى فهى بمثابة جهاز الإنذار المبكر فى كل ما يتعلق بمهددات ومخاطر ومتطلبات الأمن القومى المصرى بمفهومه الشامل، أى أنها جزء من مؤسسة الرئاسة، وبناء عليه فإن محاولة الوقوف على أبعاد ومبررات هذا القرار سوف تبقى فى إطار التحليل والتوقع والتفسير. وبعيدا عما أثارته بعض الدوائر الإعلامية حول نية مسبقة للرئيس لتغيير رئيس المخابرات العامة الذى عينه الرئيس السابق، وهو تفسير لا أتفق معه، خاصة فى ضوء ما بدا من تقدير الرئيس للمخابرات العامة ورئيسها الذى اصطحبه معه فى الزيارة التى قام بها لكل من السعودية وأثيوبيا، يرى البعض أن الحديث الصحفى الذى أدلى به اللواء مراد موافى ربما يكون أحد أسباب هذا القرار، خاصة حول ما ورد بشأن توافر معلومات مسبقة لدى المخابرات العامة بخصوص حادث رفح الإجرامى، وأنه تم إبلاغ هذه المعلومات للجهات المعنية وأن المخابرات ليست جهة تنفيذية، أى أن تصريح اللواء مراد موافى حمَّل جهات أخرى مسئولية عدم الاستفادة من هذه المعلومات، لكن الحديث لم يحدد هذه الجهات، وما إذا كان قد أبلغ السيد الرئيس بهذه المعلومات أو أنه أبلغ جهات أخرى القوات المسلحة والداخلية دون المرور على الرئاسة، هكذا يبدو الأمر فى النهاية وكأنه محاولة إبراء ذمة وإخلاء طرف وتحميل آخرين المسئولية، وذلك فى توقيت صعب لا يحتمل ذلك، ولا يتفق مع هرمية الانضباط ضمن مؤسسة الرئاسة، الأمر الذى يفرض تكاتف هذه المؤسسة بكل عناصرها لمواجهة الأزمة التى تواجهها الدولة المصرية تحت مظلة القائد العام والرئيس المنتخب. هكذا يمكن أن تكون لمبادرة رئيس المخابرات السابق بحديث صحفى لوكالة إعلام فى توقيت صعب لأزمة تمر بها البلاد ولم تتضح أبعادها بعد ويسعى الجميع لكشف أسرارها، عواقب وخيمة، ولعله من المفيد فى هذا المجال الإشارة إلى أن المخابرات العامة على مدى تاريخها الذى اقترب من الستين عاماً، قد حرص كل من تولى رئاستها على الابتعاد عن دائرة الضوء قدر الإمكان، وأن هذه القاعدة لم يتم تجاوزها إلا فى السنوات الأخيرة للواء عمر سليمان الذى طالت مدة رئاسته بصورة غير مسبوقة لتصل إلى حوالى 20 عاما بعد أن كان العرف الذى أقره الرئيس أنور السادات قد حدد مدة رئيس المخابرات العامة بما لا يتجاوز ثلاث سنوات ونصف السنة تقريبا، وقد تم تطبيق ذلك على كل من سبق اللواء عمر سليمان فى رئاسة هذا الجهاز، ولا شك أن تولى اللواء عمر سليمان لمهام تجاوزت رئاسته للمخابرات قد أدخله وأدخل المخابرات العامة فى تلك الدائرة التى كانت محظورة، وكانت تلك القاعدة تفترض ألا يتحدث القائمون على رئاسة هذا الجهاز عن أنفسهم أو عن أعمال الجهاز، ولكن يتركون إنجازاته تعبر عن نفسها بالدرجة الأولى دون تفسير أو تبرير. وإذا نظرنا إلى جملة القرارات التى أصدرها الرئيس محمد مرسى مصاحبة لهذا القرار، التى تضمنت تعيين قائد للحرس الجمهورى بدلا من قائده السابق، وتكليف كل من وزيرى الدفاع والداخلية بتعيين مدير جديد للشرطة العسكرية وقائد للأمن المركزى ومدير لأمن القاهرة وإقالة محافظ شمال سيناء وإن اختلفت الأسباب الخاصة بكل قرار وتعلق بعضها بما حدث فى الجنازة العسكرية لشهداء أحداث رفح من تجاوزات، فإن التقييم النهائى للقرار يؤكد حقيقة أن الرئيس محمد مرسى بدأ يمارس سلطاته كرئيس للدولة له وحده الحق فى اختيار من يتولى المناصب الحساسة، خاصة القريبة من مؤسسة الرئاسة والأجهزة الأمنية والقرار يتضمن أيضا رسالة واضحة لمن يخلف اللواء مراد موافى ومن يتولون مناصب ضمن مؤسسة الرئاسة حول المتغييرات التى يشهدها النظام السياسى الجديد فى مصر وآلية عمل هذا النظام وكيفية اتخاذ هذة القرارات السياسية والاستراتيجية خلال المرحلة المقبلة.