دائماً ما يبحث آسر ياسين عن الاختلاف فى أعماله الفنية، وفى فيلمه الجديد «فرش وغطا» الذى يُعرض حالياً فى دور العرض المصرية بعد عرضه فى عدد من المهرجانات الدولية، يقدم لنا آسر «رحلة السكوت» التى يقوم بها فى عدد من الأماكن المهمشة فى مصر، وما يعانى منه أهالى هذه المناطق وما يطمحون فى الوصول إليه، بأحلامهم البسيطة التى تبدو أحياناً مستحيلة، بسبب غض البصر عنها من المسئولين فى الدولة. عن رحلته فى «فرش وغطا» يتحدث آسر ياسين ل«الوطن». ■ ما الجديد الذى أردت تقديمه فى الفيلم وهل استحضرت شخصية حقيقية فى ذهنك أثناء قيامك بدور هارب من السجن؟ - هناك العديد من الشخصيات الموجودة فى الفيلم، الشخصيات التى تتحدث معى فى الجانب التسجيلى من الفيلم كلها شخصيات حقيقية، ودورى هو مواطن عادى تم سجنه وهرب أثناء اقتحام السجون فى 28 يناير 2011، وأمثل فى الفيلم دور المتلقى للأحداث ولما يعانيه هؤلاء الناس حتى أكون مثل المشاهد بالضبط، وبعد هروبى أتعرف على المتغيرات التى حدثت بعد الثورة، فألتقى فى البداية بأهالى منطقة السيدة زينب، ثم أتجه إلى المقابر حيث معاناة الناس هناك، فلا يوجد تعليم ولا نظافة ولا مياه، وأرصد معاناة الأطفال الذين يبحثون بأبسط الطرق عن وسيلة تسلية لهم، ثم أتوجه ل«عزبة الزبالين» حيث معاناة من يعيشون بها، وخصوصاً سخرية الناس منهم، ثم أحداث «منشية ناصر» والأزمة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين التى اندلعت وقتها، وبالتالى فأنا أقدم معاناة الطبقة المهمشة ليعبر الفيلم عنهم لأنهم لم يجدوا من يأخذ بأيديهم وينتشلهم من معاناتهم. ■ لماذا اعتمد الفيلم على لغة الصمت أكثر من الحوار؟ - أحياناً كثيرة يكون الصمت أصدق فى التعبير من الحوار الذى قد يشغل الجمهور عن الرسالة الأساسية التى نريد تقديمها ويخرج وهو لا يتذكر أى شىء عن العمل، لقد تعمدنا هذا الصمت وأردنا أن يشعر المشاهد ويتعايش مع حياة الشخصيات وأزماتهم الحقيقية الموجودة فى الفيلم، فيتلقون الأحداث بالصمت ودون حوار، مثلهم مثل بطل الفيلم الذى يتلقى الأحداث دون أن يتحدث، لذا احتاج الفيلم أن يكون تسجيلياً ووثائقياً أكثر منه ناطقا وحوارياً، وهو ما أعجبنى رغم صعوبة تنفيذ ذلك، ولكن مثّل هذا تحدياً كبيراً بالنسبة لى. ■ ولماذا لم يتطرق الفيلم لأحداث بعينها من ثورة 25 يناير؟ - لم نرغب فى التطرق لأحداث الثورة، لأن هذا لم يكن هدفنا، وكنا نهدف للتركيز على تأثير الثورة على الفئات المهمشة من الشعب المصرى، وأن تتحدث بعض الشخصيات عن مواقف وأحداث حقيقية تعرضوا لها، والسينما مرآة للواقع الذى نعيشه، حتى إذا كان هذا الواقع سيئاً، فأنا أرفض ما يتردد عن ضرورة الابتعاد عن هذا الواقع الذى نعيشه ونظهر الجانب الجمالى فقط، ففى هذه المرحلة يجب الحديث عن معاناة المواطن المصرى والصعوبات التى تواجهه، وعندما نستطيع التخلص من ذلك نبدأ فى إظهار الصورة الجمالية لمصر. ■ لماذا قررت خوض تجربة الإنتاج للمرة الأولى من خلال «فرش وغطا»؟ - أعجبتنى الفكرة المطروحة ووجدت أن التجربة تستحق، خاصة أن الفيلم واجه العديد من التحديات حتى يخرج إلى النور ويتم إنتاجه، بسبب الظروف الصعبة التى يواجهها صناع السينما فى الوقت الحالى، فتحمست للمشاركة حتى تتوفر للمهمشين العدالة الاجتماعية، وبذلك سيكون هذا العمل التسجيلى الوثائقى موجوداً ومرجعاً لهذه الفترة فى مصر. ■ كيف كانت ردود الفعل عند عرض «فرش وغطا» فى مهرجانات تورنتو، ولندن وأبوظبى؟ - تمت الإشادة به على مستوى النقد الفنى، واحترم الحضور رؤية الفيلم ومضمونه، وهناك العديد من الصحف والمجلات العالمية التى كتبت عنه وأشادت بقصة الفيلم والإخراج والممثلين، ومن بينها مجلة «فرايتى»، كما أشاد الجمهور المصرى والعربى بالخارج بجودة الفيلم ولم يكتفوا بمشاهدته مرة واحدة بل شاهدوه لأكثر من مرة، وهو ما أسعدنى، ورغم أن الفيلم غير جماهيرى فإننى أنتظر رد فعله فى مصر. ■ هل أزعجك عدم تحقيق الفيلم أى جائزة بمهرجان «أبوظبى» رغم فوزه بجائزة «أنتيجون» الذهبية بمهرجان مونبلييه بفرنسا؟ - أسعدنى فوز الفيلم بجائزة «أنتيجون» لكنى فى النهاية لا تهمنى جوائز المهرجانات أو الإيرادات التى يحققها بقدر اهتمامى بمستوى العمل الفنى نفسه، وأن يصل للجمهور، ثم إن أهم ما يسعدنى عند عرض أفلامى فى المهرجانات هو التمثيل المشرف لبلدى، ومن أسعد لحظاتى وجود اسم مصر فى المحافل الدولية من خلال الأفلام التى نشارك بها. ■ هل تعتبر مجازفة عرض الفيلم فى شهر نوفمبر بعيداً عن أى موسم سينمائى لعرض الأفلام وفى 6 شاشات عرض فقط؟ - نعلم منذ البداية أن الفيلم ليس جماهيرياً، ولا يهدف لتحقيق إيرادات، بالإضافة لرؤية شركة الإنتاج أن هذا هو الوقت المناسب لطرحه لالتزامها بعرض الفيلم خلال الفترة القليلة المقبلة على إحدى الفضائيات المشفرة، وفى وجهة نظرى أن التحدى الحقيقى هو إنتاج الفيلم وسط هذه الظروف الصعبة التى نمر بها. ■ ما رأيك فى الأفلام التى تقدم فى الوقت الحالى وهل سحب أبطال هذه الأفلام البساط من نجوم الصف الأول؟ - رغم عدم مشاهدتى لهذه الأفلام فإننى أرفض الوقوف ضد منتج يعمل فى هذه الفترة الصعبة التى تمر بها صناعة السينما، بصرف النظر عن مضمون الأفلام التى تقدم، والجمهور هو الذى يحدد ويقرر فى النهاية ما إذا كان سيشاهد هذه الأفلام أم لا، أما بالنسبة لأبطال هذه الأفلام فما يقومون به ليس بالضرورة ما أستطيع أن أقدمه أنا، وهم لم يسحبوا البساط من أحد، لأن لكل فنان طريقته وأداءه، وأعتقد بشكل عام أن صناعة السينما ستختلف خلال الفترة المقبلة، وانتعاشها مرتبط باستقرار الدولة، فالبلد لم يستقر بعد وبالتالى ينعكس ذلك على السينما. ■ كنت أحد الوجوه البارزة فى ثورة يناير لكنك لم تظهر بعدها وفضلت الابتعاد عن الأحداث.. لماذا؟ - عندما قررت النزول إلى ميدان التحرير، وعبرت عن رأيى كمواطن مصرى، لم أكن سياسياً على الإطلاق، ولم أكن محللاً سياسياً لأظهر فى البرامج والصحافة لأقول رأيى، لذا قررت أن أترك الأمر للسياسيين ليحللوا الأحداث السياسية، ولم أفضل أن أظهر أو أتحدث وأظلم القضية التى نزلت من أجلها فى ميدان التحرير، والأمر نفسه بالنسبة للمحلل السياسى فهو لا يمكنه الحديث عن السينما لأنه لا يفهمها ولا يستطيع استيعابها، لذا فضلت الصمت وعدم الحديث فيما لا أفهم، وخاصة أن ما أردته كمواطن قد تحقق بنزولى إلى الميدان مع جموع الشعب المصرى. ■ هل أنت راضٍ عن الوضع السياسى الحالى الذى وصلت له مصر؟ - لقد انتهينا من هم كبير كنا نُعانى منه قبل ثورة 30 يونيو، وأعتقد أننا تعلمنا من أخطائنا كمجتمع مدنى، ومتفائل بالمرحلة القادمة ومؤمن بأن الدولة تحتاج إلى الشباب لكى تستطيع الوقوف، ويجب إعطاؤهم الفرصة لكى نحقق ما كنا نسعى له منذ البداية، فقد هلكت الدولة القديمة، وأصبحت لا تستطيع تقديم متطلبات الشعب، لذا يجب استغلال طاقات الشباب وتشجيعها والابتعاد عن هدمها، وإعطائهم فرصة فى اتجاه متواز مع الدولة، ومتأكد أنه إذا حدث ذلك سيكون المستقبل أفضل إلى حد كبير. ■ وما جديدك الفنى الذى تجهز له حالياً؟ - لا يوجد أى عمل جديد حالياً، وما زلت أنتظر عرض فيلم «أسوار القمر» أمام منى زكى، تأليف محمد حفظى وإخراج طارق العريان، والذى انتهيت من تصويره منذ عام.