ثلاثة أفلام تختلف فى رؤيتها للواقع، يطرح كل منها سؤاله الخاص ويحاول بعضها مساءلة السؤال ذاته، كما فى الفيلم الكندى الإسبانى «عدو» للمخرج الكندى «دانى ڤيلينوڤ»، صاحب فيلم «حرائق» 2009، الذى تناول فيه الحرب الأهلية فى لبنان وأثار جدلاً واسعاً حوله.. يعود ڤيلينوڤ فى 2013 بفيلمه «عدو» المقتبس عن رواية الأديب البرتغالى الكبير خوسيه ساراماجو، مفتتحاً شريطه بعبارة تزيد المشاهد حيرة والفيلم غموضاً.. «الفوضى هى نظام ينتظر من يفك مغاليقه».. «آدم»، أستاذ التاريخ، يعيش حياة مستقرة مع صديقته -كان من أحلام طفولته أن يكون ممثلاً- يفاجأ بشخص آخر «أنتونى» يشبهه تماماً ويعمل ممثلاً، يقتحم حياته ويكاد كل منهما أن يدمر الآخر، لينتهى الفيلم بحادثة مروعة يذهب الممثل ضحيتها ومعه صديقة آدم.. عبر سيناريو «خافير جولون» شديد الإحكام، وأداء رائع للممثل «جاك جالينهال» الذى لعب دوراً مزدوجاً (آدم / أنتونى) يطرح الفيلم سؤاله الوجودى حول الحلم والحقيقة والخلط المتعمد بينهما.. وأى منهما هو الحقيقة، وأى حقيقة نحن نعيش، وما مدى دقة كلمة حقيقة فى التعبير عما نعيشه، وهل نحن الأصل وأحلامنا أوهام وخيالات، أم أننا نعيش فى حلم طويل ينتهى بالموت لندرك أنه الحقيقة الوحيدة التى نعرفها حتى الآن، وحينئذٍ ينتهى الحلم والواقع معاً!.. يطرح الفيلم سؤاله ويضع المشاهدين فى مأزق البحث عن إجابة.. هل مات الحلم.. وعاش الواقع؟ أم أن الواقع قد مات ونحن نعيش الحلم! أم أن كلاهما وهم نتيجة الفوضى التى لم تحل شفرتها بعد..؟! مع «عدو» ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، يأتى الفيلم البولندى الدانماركى «إيدا»، إخراج باول باوليكوڤيسكى.. يحكى عن الفتاة «إيدا»، ذات الأصول اليهودية، التى تربت منذ طفولتها فى دير كاثوليكى وتكرست داخلها التعاليم المسيحية بالنسبة للملتحقين بالأديرة من الانخراط فى العبادة والزهد فى الدنيا ومتاعها.. حين تكبر تبدأ رحلة البحث عن عائلتها تشاركها خالتها «فيندا» بأداء خلاق للمثلة أجاتا كوليشا، فهى الوحيدة التى بقيت على الحياة بعدما تعرضت الأسرة للاضطهاد، شأن كل اليهود، فى تلك الفترة.. كانت الخالة تشغل وظيفة المدعى العام قبل طردها منها، وهى على نقيض إيدا، محبة للحياة، تمارس الجنس وتدمن الكحوليات.. تتحول إيدا تدريجيا لتقترب من شخصية الخالة التى تلقى حتفها بعد أن تدرك إيدا أن فى الحياة ما يستحق أن يعاش.. استطاعت الممثلة «أجاتاتشيبوكوڤيسكا» بأداء متميز، أن تعبر عن عمق مأساة الشخصية التى تجد نفسها فى مواجهة تاريخها وأن ذويها كانوا من ديانة أخرى فتعيش مفارقة مرهقة فهذا الدين الذى آمنت به وتربت على تعاليمه ليس دينها وبخطوات درامية وئيدة، نتابع عملية التحول حتى الوصول إلى تلك الرقصة الأخيرة التى تعود بعدها إلى الدير.. سيناريو محكم، وتصوير متقن بالأبيض والأسود ليعيد إلى الأذهان تلك الفترة البغيضة من تاريخ الإنسانية، وقضية تمس كل المجتمعات التى تكتشف زيف انتماءاتها وأن عليها أن تعيد حساباتها من جديد.. «سلام بعد الزواج»، الفيلم الثانى للمخرج والسيناريست والممثل الأردنى المقيم بأمريكا غازى البعليوى، وقد عرض الفيلم فى الولاياتالمتحدة بعنوان «حدث فى نيويورك».. ربما كان لتعديل اسم الفيلم إلى «سلام بعد الزواج» دلالة خاصة فى المنطقة العربية، حيث يتناول السيناريو الذى كتبه البعليوى أيضاً -كما أدى الدور الرئيسى بالفيلم- شخصية شاب أمريكى من أصل فلسطينى «عرفات» (لاحظ الاسم)، مصاب بحالة من الهوس الجنسى، يحاول أبواه إرغامه على الزواج من فتيات عربيات لكنه يتهرب فى كل مرة.. يقنعه صديق يهودى بأن حل مشكلته عند فتيات الليل بائعات الجسد، يصطحب إحداهن ليلاً إلى منزل الأسرة لينتهى الأمر بفضيحة.. تظهر فى طريقه فتاة إسرائيلية «ميندى» تبحث عن مواطن أمريكى تتزوجه ليؤمن لها البطاقة الخضراء (جرين كارد) التى تكفل لها الإقامة الدائمة فى أمريكا.. يتفقان على الزواج رغم اعتراض أسرة عرفات ومحاولتهم المتكررة إثناءه عن الزواج ثم عن الاستمرار مع الفتاة الإسرائيلية وذلك من خلال العديد من المواقف الكوميدية الخفيفة المحتشدة بالمفارقات.. تتنامى العلاقة بين عرفات وميندى ويسود بينهما نوع من الوئام والسلام..! رؤية واضحة وقاطعة للبعليوى ودعوة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تدعى أن العلاقات الإنسانية هى جوهر السلام، متناسيا أن لا سلام على دماء الشهداء، ولا سلام على أرض مغتصبة، ولا سلام مع القتلة والسفاحين، ومراوغاً حين يرى أن الهوس الجنسى «العربى» يمكن أن يرتوى على السرير الإسرائيلى فيحل السلام وكأن القضية الفلسطينية مجرد مشكلة جنسية، متغافلاً عما حاق بالشعب الفلسطينى منذ النكبة عام 1948 حتى الآن، مختزلاً الصراع فى علاقة مصالح تتحول إلى حب قادر على إذابة الفوارق التى ترسخت لأكثر من ستين عاماً.. عرض الفيلم فى المهرجان فى إطار برنامج «عروض السينما العالمية»، كما عرض فى ذات الوقت بمهرجان «مونبيلييه» بفرنسا وحصل -من المهرجان الفرنسى بالطبع- على الجائزة الذهبية وجائزة الجمهور كما حصل البعليوى -كممثل- على جائزة لجنة التحكيم الخاصة.. فالفيلم يصادف هوى كل من يرى أن إسرائيل تستحق أن تكون دولة ولو على حساب العرب والفلسطينيين..!