سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أسرة شهيد «الحمادات» ذهبت لإحضار «مهندس ديكور» لشقته.. وعادت ب«حفار قبور» إبراهيم حكى لوالدته فى آخر إجازة عن بطولته فى «المواجهة الصعبة» مع الإرهاب لإنقاذ زملائه من هجوم مسلح فى سيناء
تحولت مراسم قبول العزاء فى فقيد الحمادات بالإسماعيلية إبراهيم أحمد إبراهيم، 21 عاما، الذى لقى مصرعه فى الحادث الانتحارى بالشيخ زويد إلى تظاهرة تأييد للقوات المسلحة ورجالها، وطالبت أسرة الشهيد بالقصاص العاجل، وتشديد الإجراءات الأمنية على الطرق وكذلك على حافلات نقل الجنود. منذ شهر.. كان «إبراهيم» على موعد مع «بروفة» لقتله على أيدى مجهولين، عندما عاد إلى بيته فى الحمادات بالإسماعيلية أعاد تمثيل المشهد أمام أبويه.. شرح لهما كيف تصدّى لمجهولين فتحوا عليه النار أثناء نقله مجموعة من الجنود إلى صحارى سيناء، شرح كيف تبادل معهم ضرب النار وكيف أسقط منهم واحداً.. أعيدت الكرّة، وفجّر مجهولون الشاحنة العسكرية «الرتل» التى كان يستقلها إبراهيم.. ليدق هاتف والده بعدها ويخبره عميد الجيش على الطرف الآخر: «احتسب ابنك شهيدا».. ويقع البلاء الذى انتظرت الأم دنوه منذ شهر. طلع الصباح على عزبة الحمادات بقرية أبوعطوة كأى صباح، معطرا برائحة الكافور ونسيم الزراعات المجاورة.. لم يكن أربعينى العمر أحمد إبراهيم موسى، الموظف بشركة «المقاولون العرب»، يعلم أنه على موعد مع نبأ رحيل ابنه «البكرى» حتى موعد خروجه من العمل.. «وأنا خارج لقيت تليفونى بيرن رديت كان على الخط عميد جيش قالى أنت أبوإبراهيم أحمد إبراهيم موسى.. قلتله أيوة أنا» إبراهيم حصل له حاجة «كنت حاسس إن فيه مصيبة.. قالى احتسبه عند الله شهيد، تعالى استلم الجثمان من مطار ألماظة». تفر دموع الأب حين يذكر «أمه.. اللى كانت عايزة تجيب لإبراهيم حتة من السما.. إلهى ينتقم منهم حرموها منه.. كانت يوم تقول لازم نجيبله مهندس ديكور يوضّب له شقته.. وكان إبراهيم كل شوية يقولى عايز أتجوز علشان اللى من سنّى اتجوزوا.. كنت بقوله خلّص الجيش ونجوزك» يواصل البكاء ثم يتمتم بصوت مكتوم «لله ما أعطى ولله ما أخذ.. إنّا لله وإنّا إليه راجعون.. بدل ما اتفق مع مهندس الديكور اتفقت مع حفار قبور يدفنه». قبل وقوع حادث التفجير بساعات كان إبراهيم على الهاتف من العريش يستغيث بوالده «أنا تعبان.. عايز أنزل إجازة.. حتى لو يوم واحد.. أنا فى العريش دلوقتى ورايح رفح»؛ ثبته أبوه بكلمات من قبيل «أثبت شوية انت راجل.. قدها وقدود.. ربنا ينصرك»؛ كلّم أمه وأغلق الهاتف.. يقول الأب «طلب منى أشحن له كارت يكلم صحابه يسلم عليهم.. وسلم على إخواته آية وإيمان ومحمد وأمه.. قلبه كان حاسس.. حسبى الله ونعم الوكيل فى اللى قتلوه». شُلّ تفكير الأب مؤقتا عندما سمع نبأ مقتل ابنه فى سيناء على أيدى «الإرهابيين» كما يصفهم؛ يقول «مبقتش عارف أتصرف إزاى.. مقدرش أسوق عربيتى، اتصلت بابن عمّى جالى الشركة أخدونى على مطار ألماظة.. متصلتش بأمه؛ بصراحة مقدرتش أبلغها لكنهم بلغوها وجات هى كمان المطار». انطلقت الصرخة الأولى من منزل والد إبراهيم بقرية الحمادات بعد صلاة العصر، كان الخبر قد بلغ أمه. «حاولنا تهدئتها وزرع الأمل بداخلها إنه يكون ضمن المصابين مش القتلى أو يكون صحيح سليم.. وإننا لازم ننتظر لحد ما نتأكد من الخبر» يقول محمد ندا، عم إبراهيم. الشيخ محمد أحمد ندا، أحد أعمام إبراهيم والخطيب بوزارة الأوقاف، يقول إن «عزبة الحمادات اللى أخرجت الشهيد إبراهيم أحمد موسى، شيّعت شهيدا قبله فى ثورة يناير.. هى عزبة الشهداء.. وإبراهيم كان فى سلاح الشرطة العسكرية منذ تجنيده من حوالى سنة.. لمّا محمد دخل الجيش كلنا كنا فرحانين لأن ولد من أولادنا دخل يخدم بلده ووطنه ودينه». موقف إبراهيم قبل دخوله الجيش لم يتغير بحسب عمه عنه بعد دخوله الجندية «كان ضد أى شىء ممكن يزعزع أمن البلد.. وكان يتمنى إنه يخدم بلده بأى شكل من الأشكال.. وآخر مرة شوفته كان من عشرين يوم لما نزل إجازة، وكان فخور إنه بيدافع عن بلده وبيواجه المخربين.. حسبى الله ونعم الوكيل فى اللى قتله». أحد عشر جثماناً ملفوفة فى علم مصر ومكللة بأكاليل الزهور.. صرخت إحدى الأمهات الثكلى وبكت ابنها فتصاعد الصراخ داخل مطار ألماظة؛ يقول أحمد إبراهيم موسى، أبوإبراهيم: «كانت جنازة عسكرية كبيرة حضرها الفريق أول عبدالفتاح السيسى، واللواء محمد باشا إبراهيم، وزير الداخلية، والسيسى قال إن حق ولادنا فى رقبة الجيش وإنه هيفضل ورا حقهم.. أنا هحتسب ابنى عند الله.. واثق إنه هيجيبلى حقى أحسن من الجيش وأحسن من الشرطة.. وبعد الجنازة استلمنا الجثمان فى عربية مخصوصة تبع الجيش ومعاهم حراسة من العساكر وجينا ندفن إبراهيم هنا فى بلده». شارك ياسر، ابن خال إبراهيم، فى تشييع جنازة الجنود الأحد عشر بمطار ألماظة، ويصف ياسر ابن خالة الفقيد «كان محترم وصاحب واجب رغم صغر سنّه.. وكان مؤدب العيبة متطلعش منه.. ومهندم فى هدومه كل قرايبه بيتفاخروا بيه، وكان نور عين أبوه وابنه البكرى.. كنت بتباهى بلبسه العسكرى وأقول ده ابن خالى». «الأهالى عملت مناحة فى مطار ألماظة» هكذا يقول ياسر، الذى يضيف سريعاً «وأم إبراهيم كمان، وأبوه وجده وأخواله وعمامه كلهم عيّطوا من شدة حزنهم.. والدته كانت هتموت مننا وربنا سترها». فى حوالى التاسعة مساءً دُفن «إبراهيم» فى مقابر أسرته، وشارك فى المسيرة العشرات تمتموا بعبارات التوحيد، وأمام المقابر لف الجميع الصمت. ورغم الانقضاء من دفن ابنه، فقد بقى أحمد موسى، والد إبراهيم، أمام قبره يكفكف دموعه ويتقبل عزاء المشيعين حتى بعد العاشرة، الألوف شاركوا فى تشييع الجندى الراحل. وفيما يشيّع جُثمان ابنها، بقيت «أم إبراهيم» فى بيتها ينالها التعب من كثرة بكائها على فقيدها.. وقد انضمت إليها عشرات المعزيّات. الألوف من أهالى القرية شاركوا فى تشييع جثمان إبراهيم موسى إلى مثواه الأخير، عشرات الشباب توافدوا إلى دار الضيافة، حيث سرادق العزاء، ويشدد خطيب الأوقاف، عم إبراهيم، على أن حرص الشباب على تقديم العزاء فى إبراهيم هو «حبهم له.. كان بيصلح موتوسيكلات، وكان ممكن يصلح موتوسيكل لواحد لله بدون أجر.. وكان يد العون لأبوه.. الجنازة النهاردة كانت مهيبة، وعزبة الحملات وكل القرى المجاورة كانت بتشيعه.. كان خدوم وبيحب الخير للناس». يعلق عيد عبدالمنعم، أحد جيران إبراهيم، على الحادث الذى راح ضحيته 11 جندياً فيقول «ليه الولاد يموتوا بالطريقة دى؟ ليه عربية تتفجر بيهم بالسهولة دى؟ ليه يكونوا معرضين للقتل خلال انتقالهم من مكان لمكان داخل سيناء؟ ليه الجيش ميوفرش طائرات لنقل جنوده من سيناء وإلى سيناء؟ ليه؟» تتزاحم أسئلة عبدالمنعم الذى يتهم القوات المسلحة المصرية بالتقصير فى تأمين مجنديها فى سيناء.