فى الأغلب سوف نضطر إلى التعايش لفترة ربما تطول إلى بضعة أشهر مع عبث يوم الجمعة الذى تمارسه جماعة الإخوان المسلمين فى تظاهراتها التى تحشد بالكاد بضع مئات لا يتجاوزون الآلاف فى عدد من أحياء القاهرة وبعض عواصم المحافظات، مع محاولاتها المستمرة لتصعيد الموقف فى عدد من المناسبات، على أمل أن تسفر أىٌّ من هذه المحاولات عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى، يمكن الجماعة من اتهام الداخلية والجيش بالقتل المتعمد لأنصارها، واستخدام القوة المفرطة تجاه تظاهرات تبدو سلمية، لكن واحداً من أهم أهداف خروجها هو استفزاز الشرطة والصدام معها. غير أن المؤكد أن أياً من هذه العمليات لن يغير من واقع الأمر شيئاً، أو يعدل موازين القوى على الأرض لصالح الجماعة، التى فقدت حاضرها ومستقبلها ومصداقيتها وشعبيتها، ووضعت نفسها فى صدام مباشر مع الشعب المصرى خسرت فيه الجلد والسقط!، لكنها لا تزال تتشبث بحالة إنكار كامل، ترفض الاعتراف بالواقع ولا ترى حجم الكراهية التى يكنها جموع المصريين لتصرفاتها وسلوكها، ويمنعها العناد من أن تعترف بفشلها المحتم فى مواجهة جبهة داخلية متراصة، تضم الشعب والجيش والأمن وكل مؤسسات المجتمع المدنى، ولا تزال تتشبث، رغم محنتها، بمطالبها المستحيلة الثلاثة «عودة مرسى ودستوره ومجلسه التشريعى المسخ»، ترفض كل تفاوض جاد لأن الجماعة تعرف على وجه اليقين أن الدخول فى أى حوار سوف يؤدى إلى تفكك تنظيمها الذى أصابه التصدّع، ويتعرض الآن لشروخ عميقة تهدده بالانهيار، تحاول الجماعة تأجيله من خلال التمسك بمطالب الحد الأقصى كى تبدو متماسكة وقوية!، وأغلب الظن أن الرسالة التى وجهها الرئيس المعزول إلى الشارع المصرى عبر فريق دفاعه من المحامين هى جزء من هذه الخطة التى تستهدف تحريض أنصار الجماعة على المزيد من العنف، لكن رسالة «مرسى» لن يكون لها أى أثر حقيقى خارج جماعته وأنصاره، لأن أحداً من المصريين لا يأخذ تصرفات الرئيس المعزول بالحد الأدنى من الجدية بعد أن فقد مصداقيته واحترامه. ورغم التهديدات التى تطلقها الجماعة فى أحداث ذكرى محمد محمود، وإعلان عزمها اقتحام ميادين التحرير والنهضة ورابعة العدوية، سوف ينتهى هذا اليوم بالفشل الذريع، مثل كل أيامها السابقة التى هدّدت فيها بعظائم الأمور!، لأن الجماعة كشفت يوم محاكمة «مرسى» عن الحد الأقصى لقدراتها على الحشد والفعل، ولو كان فى وسعها أن تفعل أكثر مما فعلت لما تأخرت عن الفعل، خصوصاً أن واحداً من أهم أهدافها الآن، أن تثبت لقوى الغرب والأمريكيين على وجه الخصوص، أنه لا يزال فى وسعها أن تعطل استقرار مصر الذى يصعب أن يتحقق فى غيبة مشاركتها فى العملية السياسية!، وإذا كان الأوروبيون قد نفضوا أيديهم من الرئيس المعزول وجماعته، وتركزت كل آمالهم على نجاح خارطة الطريق باعتبارها المخرج الصحيح من الأزمة الراهنة، فإن الأمريكيين لا يزالون يدافعون عن عودة الجماعة إلى المشاركة فى العملية السياسية ويطالبون بالإفراج عن جميع قادتها وكأن شيئاً لم يكن!، ودون مطالبة الجماعة بأى شروط تصحح أخطاءها الفادحة، وإن كان الواضح من الموقف الأمريكى، أن واشنطن لا تعول شيئاً على عودة الرئيس المعزول الذى تراه الآن رئيساً فاشلاً لم يحقق أى شىء سوى نجاحه فى استعداء غالبية شعبه. وأياً كان موقف الأمريكيين الذين يدسون أنفهم فى الشأن المصرى دون أى مسوغ، ويطالبون بإعادة النظر فى قانونى تنظيم التظاهر والإرهاب اللذين تعتزم الحكومة المصرية إصدارهما، فليس هناك ما يلزم حكومة مصر بأن تأخذ بنصائح واشنطن المسمومة، وعلى الحكومة أن تقرر ما تراه واجباً فى صالح عودة الاستقرار والأمن، دون حاجة إلى نصائح الأمريكيين الذين يتشكك غالبية المصريين فى مدى حرصهم الحقيقى على استقرار مصر والشرق الأوسط. أعرف أن هناك من يتساءلون عن الأسباب التى تجبر مصر على التعايش بضعة أشهر أخرى مع عبث جماعة الإخوان المسلمين وتظاهراتها التى يمكن أن تزاد عدداً بعد إنهاء حالة الطوارئ ورفع حظر التجول، إن كان فى وسع الأمن والقوات المسلحة إنهاء هذا الموقف بقرار حاسم يمنع التظاهر كلية، ويحذر على نحو واضح من مغبة عدم الامتثال لتنفيذه.. وأظن أن منع التظاهر كلية يعنى إخفاق مصر فى الالتزام بواحد من أهم حقوق الإنسان يتعلق بحرية الرأى والتعبير، خصوصاً أن جماعة الإخوان سوف تجد فى هذا القرار المسوغ القانونى لتسيير مظاهرات يتقدمها النساء والأطفال كى تختبر قدرة الدولة على الالتزام بتنفيذ قرارها بالقوة الجبرية، الأمر الذى يمكن أن يؤدى إلى سقوط ضحايا كثيرين، هم فى النهاية شباب مصرى يجب الحفاظ على دمائهم، كما أن البديل الوحيد لذلك هو اللجوء إلى الاعتقالات العشوائية بكل تداعياتها السلبية، التى غالباً ما تؤدى إلى المزيد من العنف والتطرف كما حدث فى الستينات. وبسبب هذه المفارقة ربما يتعذر على الأمن والجيش القضاء على تظاهرات يوم الجمعة بضربة قاضية واحدة تسيل فيها دماء مصرية غزيرة دون مسوغ قانونى واضح، ولا يعود أمام الحكومة سوى أن تكسب معركتها بالنقاط وتطبيق أحكام القانون على نحو صارم كل مرة بحيث تنحسر هذه المظاهرات، إلى أن يمتنع أنصار الجماعة عن التظاهر يأساً من إمكانية تغيير الموقف أو يعودون إلى صوابهم، لأن الحكومة تحقق على أرض الواقع إنجازات يومية واضحة للعيان، تؤكد لجماهير المصريين أن الحياة المصرية تتجه نحو الأفضل، وأن التغيير الذى ينشده المجتمع يجسد نفسه على أرض الواقع فى إصلاحات متلاحقة، وأن الجماعة باتت جزءاً من زمن مضى تجتر أحلاماً كاذبة! ولست أشك فى أن تغيير الواقع اليومى للجماهير عبر إنجازات واضحة ملموسة، فى المدرسة والمستشفى والمصنع والشارع وقسم الشرطة، ويلمسها فى قرارات جادة وفاعلة تؤكد يقظة الحكومة وقدرتها على الفعل، ويراها رؤية العين فى عمل حقيقى ينهض ببناء المدارس وإصلاح الطرق وإنهاء مشاكل تلوث المياه وإقامة المشروعات الاستثمارية التى توفر فرص العمل للمواطنين وتحسين جودة الحياة على قدر الطاقة.. لست أشك فى أن مثل هذه الإجراءات تشكل الضمان الحقيقى لهزيمة فلول جماعة الإخوان المسلمين، وانحسار تظاهراتهم على نحو منتظم ومستمر إلى أن تموت بالسكتة القلبية، خصوصاً أن الحكومة تملك السيولة النقدية التى تمكّنها من تنفيذ هذه المشروعات بعد أن أوفت السعودية والإمارات والكويت بوعودها، وضخت إلى الخزانة المصرية ما يزيد على 13 مليار دولار لكن بطء الإجراءات والتردد فى اتخاذ القرار لا يزال يعطل الاستخدام الأمثل لهذه السيولة المتوافرة! ولا يقل تأثيراً وأهمية عن ذلك، المضى قدماً فى تنفيذ خارطة الطريق وفق جدولها الزمنى، وحشد المصريين للخروج فى الاستفتاء العام على الدستور على نحو يؤكد قوة الإرادة الشعبية، والحرص على نزاهة الانتخابات البرلمانية والرئاسية ووضعهما تحت إشراف دولى، وفتح الأبواب على مصاريعها لكل من لا يحمل على يديه آثار دماء مصرية ولم يرتكب أى جريمة ضد وطنه كى يشارك بالانتخاب والترشيح، دون عزل فردى أو جماعى لا يسانده حكم قضائى، وتطبيق أحكام الدستور الجديد التى تمنع استخدام المنابر للترويج لدعاوى حزبية أو سياسية، والالتزام بالشفافية وتطبيق أحكام القانون على الجميع، وإعلاء قيم حرية الرأى والتعبير، كل ذلك كفيل بوضع حد نهائى لقدرة جماعة الإخوان على إثارة الشغب وتهديد الاستقرار. وباختصار فإن الإنجاز الملموس والتوجه الديمقراطى الواضح هما الطريقان الوحيدان اللذان يضمنان هزيمة ساحقة لجماعة الإخوان المسلمين دون عنف متبادل، وأظن أننا نملك مفاتيحهما، لكن المشكلة فى جوهرها تكمن فى ضعف همة الحكومة وبطء قراراتها.