1- بيع البيض فى السماء: اختفى الفريق أحمد شفيق، أو أريد له أن يختفى، من بعد «30 يونيو»، هذه ليست مفاجأة لكثيرين، قالوا إن شراكة 30 يونيو أفرزت واقعاً جديداً، بقادة جدد، كونوا رصيداً سياسياً من الوقوف فى وجه سلطة الإخوان المستبدة، فيما كان الفريق هارباً خارج الحدود. لكن «شفيق» لم يكن قائداً سياسياً عادياً بالنسبة لمن أيدوه؛ فهو رجل حصد 12 مليون صوت، وبنى سمعته على كونه رجل دولة وابناً لمؤسسة عسكرية منضبطة وخصماً شرساً للإخوان، من يعبثون بأمن مصر القومى، وينفذون أجندات خارجية، بحسب صورته فى مخيال جماهيره. أما الملمح الأبرز فهو أن جمهور «شفيق» لا يعتمد فى التأييد والنبذ على «ثورية، أو عدم ثورية» زعيمه، بل فقط الحفاظ على مكتسباتها الماضية؛ فإذا قسّمنا شرائح مؤيديه، ستتكون من أنصار للنظام القديم من الكيانات التقليدية وأصحاب المصالح فى الريف ورجال الأعمال فى المدن، وهى شريحة توازى تاريخياً ما عُرف بكبار الملاك، ثم جزء كبير من الفاعلين فى الجهاز التنفيذى والأمنى للدولة، هؤلاء تقريباً من صوّتوا له فى الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة قبل أن ينضم إليهم أصحاب التصويت العقابى من كارهى المشروع الإسلامجى، ومن أدركوا أن اختيار ممثل لنظام وطنى مستبد ربما أخف ضررا من نظام ملالى الجماعة العابر للفكرة الوطنية. أتباع «شفيق» الحقيقيون، ليس من بينهم ثورى، أو من يقيم مواقف القادة على أجندة المواقف الثورية، هم كانوا يبحثون عن ممثل لطبقتهم ومصالحهم، وطبيعة إدراكهم لمفهوم الوطنية ووجدوه.. فلماذا اختفوا الآن من خلفه إذن؟ ولماذا انضم رموزهم، ومنهم بعض رموز حملة «شفيق» الرئاسية، إلى حملة تلميع صورة جنرال آخر، هو عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع، لتحتل صورته فى وجدانهم وشوارعهم ومصالحهم مكان صورة الفريق الطائر؟ الإجابة قدمها منذ عقود الفرنسى «أوليفيه لوروا»، عندما تحدث عن «الزبائنية السياسية» وقال إنها الشبكة التى يتم نسجها حول السلطة، وعندما تذهب السلطة تتقطع خيوطها. و«الزبائنية» تضم، فى طياتها، «مغامرة، وصرفا» كالبائع الذى يروّج لمحصوله وهو لا يزال بذوراً، أو صاحب المزرعة الذى يبيع بيض طيوره بينما لا تزال ترقد فى أحشاء طائر فى السماء. ومن هنا راهن مندوبو «الزبائنية السياسية» التى تقطعت أوصال شبكاتهم بنهاية عهد «مبارك» على «شفيق»، ربما لآخر نفس فى عصر «مرسى»، وعندما ظهر ممثل آخر، يتوافق مع مكتسباتهم السابقة، ويملك خيوط القوة والشعبية فى يديه، تركوا قائدهم القديم يصارع هواء التكييف فى الفنادق. 2- «شفيق» ليس وحده: بعد «لوروا»، اتسع المفهوم ليشمل معنى أوسع، فتصبح «الزبائنية» هى تقنيات إنشاء روح التضامن، ودعمه وإدامته، بفضل إقامة روابط شخصية كالمصاهرة، أو بإثارة النزعات القبلية أو الإثنية أو المذهبية أو اللغوية. وتتسع ممارساتها لتتخطى حتى حدود الدول؛ فالإخوانى يتزوج إخوانية، ويكوّن شبكة من المصاهرة والتحالف الفكرى والسياسى والاقتصادى، تتخطى مصالح دولته، والفرانكفونى يخضع رؤاه إلى أجندة فرنسية تتماهى مع زملاء له فى الشرق والغرب، والضابط تتخذ «زبائنيته» ملامح خاصة هى خليط من القبلية وتبادل المصالح، وتنعكس على أشياء عديدة من أول المسموح لهم بدخول كلية الشرطة إلى الوقوف ضد محاولات إعادة الهيكلة والحفاظ على مكتسبات الماضى. والزبائنية هى التى تجعل أندية القضاة ترفض أن يناقش ميزانيتها محاسب من الجهاز المركزى للمحاسبات، وترى أن القاضى أسمى من أن يراجعه أحد. «الزبائنية» فلسفة مجتمعات تؤمن أنها قيمة، وليست طريقاً وعراً يتكسر على أحجاره «الحق فى المساواة»، و«الاختيار الديمقراطى الحر»، الخالى من احتكار السلطة والنفوذ لصالح فصيل واحد أيا كان. باسم الوطنية تخفت زبائنية فاشية تبحث عن مكتسباتها القديمة، واجترار القمع. وباسم الدين تخفت «زبائنية فاشية أخرى» تبحث عن منافع اقتصادية وأكبر قدر من النفوذ والتمكين. «يناير» قطعت خيوط شبكات «مبارك»، حتى فكر بعضهم فى التحالف مع الإخوان، بينما «يونيو» قطعت خيوط الشبكات الجديدة مبكرا، لكن المؤسف أننا ماضون فى غزل خيوط جديدة، بألوان مختلفة، لتنتظر دورها فى التحطم.