استطاع أن يحول شكل الدولة التي كانت قبل عدة سنوات "ديمقراطية برلمانية" إلى دولة يهيمن عليها حزب سياسي واحد، بل زعيمه الأوحد الذي أدخل تركيا نفق دولة الرجل الواحد بعد انتخاب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لولاية رئاسية جديدة بصلاحيات معززة. السياسي القوي الذي استمد نفوذه المتصاعد من القضاء على كافة المعارضين، لم يتورع أمام خيانة حلفاءه، بل وأباءه الروحيين، ولكنه حقق مراده "بترك بصمة في تاريخ تركيا الحديث"، كيف لا؟ وقد استطاع ان يحول وجه الدولة ويخطف هويتها "الاتاتوركية" إلى "الاردوغانية" التي تستمد من "العثمانية الجديدة" ملامحها وتحركها اطماع الغزو والسيطرة، فالتدخل في الشمالين السوري والعراقي كان ابرز مثال، الا ان التواجد العسكري والاستخباراتي في كافة البقاع المشتعلة في الاقليم كان دائما داعما للمتطرفين والارهابيين، في ليبيا والصومال وغرب افريقيا. بالنسبة لأنصاره، فهو رجل "المعجزة الاقتصادية" التي حولت تركيا إلى إحدى دول مجموعة العشرين الأقوى اقتصاديا في العالم، إلا أن معارضوه ينتقدون استبداده، ولا سيما بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في صيف 2016 والتي تلتها حملات تطهير واسعة في كافة مؤسسات الدولة عبر الاعتقالات والايقاف عن العمل بحق عشرات الألوف من الموظفين المدنيين والعسكريين والقضاة والصحفيين. لاعب كرة القدم السابق الذي اتقن ألاعيب السياسة، ترك المستطيل الأخضر، ليركض في ساحة السياسة، ناشئا على أيدي الاسلاميين امثال نجم الدين اربكان، ثم دفعه إلى الواجهة مع انتخابه رئيسا لبلدية اسطنبول في 1994، وكذلك حليفه السابق الداعية الإسلامي فتح الله كولن زعيم حركة الخدمة المنفي في أمريكا، والذي انقلب عليه اردوغان لإتهامه بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة، رغم نفي جولن للتهمة، التي استغلها اردوغان للقضاء على معارضيه. ورغم كونه "سجين رأي" سابق عندما حكم عليه بالسجن بعدما أنشد قصيدته الدينية، في 1998، لم يتورع في سجن كل المخالفين للرأي فقام قبل يوم من حفل تنصيبه اليوم لولاية رئاسية جديدة، بإغلاق عدة صحف معارضة وكردية، بل واستغل الاعلام الرسمي في ممارسة الاحتيال الانتخابي ليصل إلى السلطة مجددا بعد ان قضى فيها 15 عام، تنقل خلالها في المناصب المختلفة، وازاح اصدقائه وحلفاءه مثل احمد داوود أوغلو وزير الخارجية ورئيس الوزراء السابق الذي حولت ممارسة اردوغان لمبدأه "تصفير المشكلات" مع دول الجوار، إلى واقع سياسة تركيا الخارجية المرتبكة حاليا التي أدت إلى "تصفير الأصدقاء". "أردوغان" المولود في حي شعبي في اسطنبول في 26 فبراير 1954، استطاع ان يحول المدينة التاريخية إلى ملجأ للمعارضات والمتطرفين من معظم دول الاقليم، ليس فقط لاستغلالهم ضد بلدانهم ولزعزعة الاستقرار فيها، بل ايضا للمتاجرة مع القارة العجوز بقضية الهجرة واللجوء، ليستكمل "الدور الوظيفي" الذي تؤديه بلاده منذ نشأتها على أنقاض الإمبراطورية العثمانية التي يحلم بإعادتها.