أدرس فى جامعة لندن، الجامعة الرابعة من حيث التصنيف العالمى QS. فى هذه الجامعة 11 دكتوراً مصرياً ما بين أستاذ ومدرس فى شتى المجالات من العلوم البحتة للفنون. فى جامعة كامبردج -الجامعة الثانية على العالم- 7 أساتذة ومدرسين مصريين، منهم اثنان يدرسون الثورة المصرية. فى لندن وحدها ناد للدارسين المصرين به 140 عضواً ما بين طالب دراسات عليا وأستاذ. فى مجموع الجامعات العشر الأوائل على العالم: 37 دكتوراً مصرياً، وما يتراوح سنوياً بين 120 و160 طالب دراسات عليا. ثم يحدثنا فلان عن الافتقار إلى الكوادر المصرية. السبب فى هذا الافتقار هو عدم ربط تلك الكوادر بجذورها. لكل دارس بالجامعات الكبرى رابطة ما بمؤسسة ما فى بلده، قد تكفل تعليمه، أو تنشر بحثه، أو ما شابه، إلا نحن المصريين، تكفلنا منح أجنبية تربطنا ببلدان أخرى غير بلداننا؛ فالمصرى هنا تابع لبعثة أمريكية أو ألمانية أو حتى سعودية أو إماراتية. رحلة البحث الأكاديمى تستغرق على الأقل خمس سنوات، بعدها يصبح طبعاً هذا الشخص فى معزل تام عن وطنه، وقد يتجنس بجنسية الجامعة أو البلد الكفيل. لا يعنى هذا إطلاقاً أن وطنيته تهتز، لكن يعنى باختصار أنه أصبح غير صالح فى إفادة وطنه. فبماذا ستستفيد مصر من باحث فى مجال البرلمان الأوروبى يعمل فى لندن بمنحة أمريكية؟ وهل من المنطقى أن نرى متخصصين فى «المصريات» -بكل أنواعها من سياسة لتاريخ لموارد مائية- إذا لم يكن بمصر جامعة حقيقية تمد هؤلاء الباحثين بالموارد الأولية والأطر المحلية؟ إذاً فمن غير المنطقى أن نتصور أن الدافع الوطنى وحده كفيل بأن يعود إلينا أمثال طه حسين ورفاعة الطهطاوى ومحمد عبده وجلال أمين. كل هؤلاء بمختلف أزمنتهم ذهبوا بمنح مصرية وعادوا على شروطها، وكانت البعثة تربطهم بمصريتهم وطنياً وأكاديمياً من ناحية، بينما كان العالم مختلفاً من ناحية أخرى: فلم تكن العولمة توحشت لهذه الدرجة، ولا تفاوت الفرص اتسع لهذا الحد، وكان حال بلدنا على المستوى المعيشى والأكاديمى ألطف كثيراً. المخرج إذا فى هيكل يربط هذه الفروع المشرّفة بجذورها. حاول فى هذا الإطار الدكتور أحمد زويل من خلال إنشاء مركز علمى تعود إليه الطيور المهاجرة ويستبدل الخبرات مع الخارج ويجذب دراسة ما أطلقنا عليه «المصريات». كما حاول مستشارا الرئيس، أحمد المسلمانى ود. عصام حجى، إنشاء مجلس للعلماء المصريين. وقد عملت مع أحمد المسلمانى ود. شريف النجدى ونخبة من خيرة الدارسين المصريين على إنشاء نادى النخبة بهدف طرح نخبة جديدة (أو تجميعها). كل هذه أفكار نيّرة طُرحت وذهبت إلى زوال مع ما ذهب. السبب غير واضح والقضية ضد مجهول. يبقى السؤال: من هو صاحب المصلحة فى أن تهاجر الطيور أرضها؟