إذا كانت اللحية والزبيبة شعار «الدينيويين» من رجال المحروسة، فإن «الحجاب» هو شعار «الدينيويات» المصريات. وحجاب المصرية خاص جداً، ولست أقصد هنا «الخمار» والجلباب الذى ترتديه بعضهن، بل أقصد «الطرحة» التى دأبت بعض الفتيات والسيدات على لفها حول شعورهن، والتى يطلق عليها ترخصاً «الحجاب». وهو ظاهرة منتشرة فى مصر انتشار النار فى الهشيم. ومن يتجول فى أى من شوارع «المحروسة» ويحاول أن يدقق فى خريطة أزياء المحجبات ير عجباً. فالمسألة تبدو أشبه بالكرنفال الذى تختلط فيه ألوان «الطرح» بألوان المساحيق بألوان الأزياء العصرية، وتندمج هذه الألوان المتناقضة فى لوحة لا أجد عبارة أليق فى وصفها من العبارة التى كانت تتردد فى إعلان تليفزيونى قديم عن علبة ألوان أطلق عليها «ألوان اللخبطة»! فالمرأة المحجبة المصرية نصفان: أحدهما دينى، والآخر دنيوى. أو بعبارة «عادل إمام» فى فيلم «مرجان»: «مأنتمة من فوق مع عبدالشكور ومن تحت مع تامر»!. فالمحجبة المصرية تتفنن فى إبراز خرائطها وأعاجيبها، فيما ترتديه من أزياء أسفل الطرحة بصورة تدعو إلى الدهشة، وتجعلنا نسأل: كيف يتصالح النقيضان فى النفس الأنثوية المصرية بهذه الصورة؟ والأدهش أن أيما فتاة أو امرأة لا تجد غضاضة فى ذلك، بل تمارس الأمر بمنتهى التلقائية والعفوية. فلا بأس أن يجتمع الدين والدنيا، أو الماضى والحاضر فى كيان واحد! والأدهى فى الأمر أن الحجاب أحياناً ما لا يكون مجرد محاولة للالتفاف الأنثوى على مسألة «الدين»، بل كثيراً ما يوظف بشكل دنيوى، خصوصاً عندما يستخدم فى إخفاء بعض المعالم غير الجميلة فى الفتاة أو السيدة، فلا تبدو المسألة كمحاولة للتوفيق بين الدين (الطرحة) والدنيا (الأزياء العصرية)، بل تتجلى كاجتهاد يسعى إلى إخفاء بعض الأوجه التى ترى الأنثى أنها لا تتمتع بالدرجة المطلوبة من الجمال، وبالتالى يختفى الدينى لحساب الدنيوى الوظيفى! ومن اللافت أن تجد أن بعض الكتاب الشرقيين مقتنعون بفكرة أن الغرب عندما بدأ يضرب الإسلام صوّب عينيه نحو المرأة ووجه سهامه إليها. وكان مدخله فى ذلك هو إقناعها ب«السفور» أو ترك الحجاب، لأنه من خلال ضرب المرأة وخلع حجابها يستطيع الغرب أن يفعل فى بلاد المسلمين الأفاعيل. من هنا شكّل الحديث المفرط عن الحجاب كفرض على المرأة المسلمة جانباً مهماً من جوانب الخطاب الدينى للدعاة الإسلاميين، إذ يؤكدون باستمرار على أن عودتها للدين تعنى الرجوع إلى الحجاب. ولأن المرأة المصرية «دماغ» خاصة جداً، وعقل تربى فى أحضان تلك الخلطة العبقرية ما بين الدين والدنيا فأصبحت «دينيوية» هى الأخرى، فقد وظفت الحجاب بذات الطريقة التى يوظف بها رجال «المحروسة» الدقن والزبيبة «حتعمل إيه؟ زيها زى أهل بلدها»!