كأن كثيراً من المصريين أصبحوا يتمثلون الآن القول المأثور: «عجبت لمن بات جائعاً ولم يخرج إلى الناس شاهراً سيفه»؛ فالأسابيع الأخيرة شهدت خروج من يقطع الطريق على الناس لأنه لا يجد شربة ماء، أو نور كهرباء، أو أمناً يرتجى، أو طعاماً يسد رمقه ورمق أولاده.. بدأ إشهار السيوف فى المحافظات، وسرعان ما انتقل إلى القاهرة التى استيقظ أهلها يوم الخميس الماضى على صوت الخرطوش وانفجارات الزجاجات الحارقة والقنابل المسيلة للدموع، وشاهدوا سيارات تشتعل، وأصحاب «اللبس» الشيك يصرخون -وهم رهن الحصار- داخل أبراج «النايل سيتى» على طريق الكورنيش الذى أغلق من الاتجاهين أمام تزاحم أهالى «رملة بولاق» على انتزاع حقوقهم بالسيوف. خرجت علينا وزارة الداخلية ببيان يفيدنا بأن الأبراج تعرضت لهجوم من جانب مجموعة من البلطجية بزعامة «عمرو البنى»، لإجبار المسئولين بها على دفع «إتاوة»، فاضطر أفراد الأمن إلى التصدى لهم بالقوة، مما تسبب فى مقتل الزعيم «البنى» على يد أحد ضباط شرطة السياحة. هكذا تم تصوير المشهد وكأنه قصة من قصص نجيب محفوظ، يتحول فيها الحرافيش إلى فتوات يفرضون الإتاوات على الأعيان! وتناسى البيان رواية أخرى تقول إن صاحب الأبراج «المهندس نجيب ساويرس» سبق له الاستعانة ببعض أهالى «الرملة»، ومن بينهم «القتيل»، كأفراد أمن لحماية الأبراج أيام الثورة. وينسى البعض أيضاً أن أهالى رملة بولاق سبق لهم التجمهر أمام أبراج «ساويرس» منذ عدة أيام بسبب رفض المسئولين بها إعطاءهم خراطيم وطفايات حريق للتعامل مع حريق شب بعششهم، وشك بعض الأهالى أنه تم بفعل فاعل حتى يتم التخلص من العشش التى تقبع خلف الأبراج الهائلة فتشوه منظرها! البلطجى الذى تتحدث عنه وزارة الداخلية خرج من أجله آلاف البشر -من أهالى رملة بولاق- يحرقون ويخربون تعبيراً عن إحساسهم بالغضب النابع من شعورهم بأن ذوى المقام العالى وأصحاب المعالى يريدون حل مشكلة الفقر بأسلوب مبتكر يتمثل فى «حرق الفقراء»، ولأهالى رملة بولاق نظراء بالملايين فى شتى أنحاء مصر ترسخت بداخلهم حالة عميقة من الاحتقان التى يرعاها المجلس العسكرى وفلول النظام السابق، وغفلة «الإخوان» وركاكة أدائهم، ونظرتهم العنصرية لغيرهم من المصريين. الوحش ولد ونما وترعرع، وشرع فى الخروج للمواجهة بسبب الضغوط المعيشية العنيفة واللاآدمية التى تمارَس عليه. والعينة التى خرجت من نسله خلال الأسابيع الماضية لم تنتقم من خصومها المباشرين فقط، بل سلطت وحش غضبها على الجميع فقطعت الطرق وأحرقت السيارات وحطمت المحال. لقد أسهمت كل الأطراف فى تحضير الجنّى، فخرج لنا شاهراً سيفه، واللى حضّر الجنى يورينا ازاى هيصرفه!