بخطابه حول ثورة يوليو فى ذكراها الستين، قطع الرئيس الدكتور محمد مرسى الطريق على بعض المتربصين. أصحابنا اعتبروا الرئيس أمام اختبار صعب، وتساءل بعضهم: ماذا سيقول الرئيس فى هذه المناسبة؟ وهل سيذكر ثورة يوليو، أم أنه سيتجاهلها بسبب الخصومة التى كانت بين عبدالناصر والإخوان المسلمين. هؤلاء نسوا أو قل: تناسوا عن عمد وسبق إصرار، أن الإخوان المسلمين كانوا من صناع ثورة يوليو، وشاركوا فيها بكل قوة، فهم من تحملوا عبء حراسة المرافق العامة وتأمين المنشآت الحيوية، وأن أحد رجالهم وهو البكباشى عبدالمنعم عبدالرؤوف هو الذى قاد عملية طرد الملك فاروق بعد حصاره لقصر رأس التين بالإسكندرية، وقبل ذلك -والأهم- أن الفضل فى قيام ثورة يوليو يعود -بعد الله- للإخوان المسلمين، فقد أنشأوا ما عرف بتنظيم الضباط الإخوان بقيادة الصاغ محمود لبيب، وكان معه فى التنظيم عدد من الضباط الذين كان لهم دور مهم فى ثورة يوليو، منهم: جمال عبدالناصر، وعبدالمنعم عبدالرؤوف، وأنور السادات، وخالد محيى الدين، وغيرهم، ورغبة فى توسيع دائرة عضوية التنظيم، فقد قاموا بتغيير الاسم إلى تنظيم الضباط الأحرار، وبذا نجح التنظيم فى استقطاب أعداد كبيرة من الضباط من الإخوان وغيرهم من التيارات السياسية القومية واليسارية. ربما كانت هذه الخلفية لازمة حتى يدرك إخواننا الناصريون أن ثورة يوليو لم تكن حكراً على شخص أو فصيل بعينه، فالكل شارك فيها، بل أكاد أقول: إن نصيب الإخوان من هذه الثورة يفوق نصيب غيرهم، الأمر الذى يدعو الزملاء الناصريين إلى عدم المزايدة على الإخوان.. وقد أدرك ذلك عبدالناصر عندما أقدم على حل الأحزاب السياسية، وأبقى على الإخوان باعتبارهم هيئة إسلامية جامعة لا ينطبق عليها قانون الأحزاب. وتقديراً لدورهم الكبير فى الثورة، فقد فتح التحقيق من جديد فى جريمة اغتيال الإمام حسن البنا، وكان عبدالناصر حريصاً فى بداية حكمه على زيارة قبر الإمام البنا فى ذكرى استشهاده! ثم نزغ الشيطان بين عبدالناصر والإخوان، وأقدم على التنكيل بهم، وإدخالهم فى غياهب السجون، ونصب لهم المحاكمات الظالمة التى حكمت بأقصى العقوبات على قياداتهم؛ حيث أعدم البعض، وسجن البعض الآخر لسنوات طويلة، وقضى معظمهم زهرة أعمارهم داخل الزنازين تحت سياط التعذيب والتنكيل.. لكنهم قط ما ضعفوا وما وهنوا وما استكانوا، كما أنهم لم يسعوا إلى الانتقام لأنفسهم، لكنهم احتسبوا ما لاقوه عند الله.. بل حاولوا منذ أواخر عقد الثمانينات طىّ صفحة الماضى، والسعى مع بعض الرموز الناصرية لبدء مرحلة جديدة من التعاون إعلاءً لمصالح الأمة وقضاياها، بعد أن أدرك الجميع أن الكل خاسر بفعل هذا الصراع. وكانت هناك لجان ومؤتمرات جمعت التيارين الإخوانى والناصرى، بل التيارين الإسلامى والقومى، وأهمها -فى رأيى- المؤتمر القومى الإسلامى الذى تأسس فى بداية التسعينات ببيروت، ولا يزال ناشطاً، وضم فى عضويته رموزاً من التيارين الإسلامى والقومى، وكان من ثماره ذلك التقارب الذى حدث بين الإخوان والناصريين، والذى تجسّد أحياناً فى التنسيق الانتخابى أو السياسى، ولعل الانتخابات البرلمانية الأخيرة كانت شاهداً على تعاون حزب الحرية والعدالة مع حزب الكرامة الناصرى. ما أحوجنا إلى طىّ صفحة الماضى بما فيها من صراعات ومرارات، وما أحوجنا إلى التعاون فى القضايا المشتركة وما أكثرها. إن العقلاء من التيارين عليهم اليوم مسئولية كبرى فى نزع فتيل الخلاف الذى يقوم بزرعه متربصون بالوطن أو جهلاء بمصالحه، وما أجمل تلك العبارة التى كان الإمام البنا -مؤسس الإخوان المسلمين- يكررها أمام مخالفيه: «لنتعاون فيما اتفقنا عليه، وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه»!