"الأراجوز الأراجوز والبنت اللى إسمها كشكليوز، ياحلاوتهم، أدى حكايتهم هما الجوز، ياكتاكيتهم ياشقاوتهم. العروس الجندى : الله الله .. الحيا والخشى جرى فيهم آه ؟ واقفة بتترقصى للأراجوز طب مابتترقصليش ليه !. كشكليوز : هو أنت خطيبى طب هو حبيى. الأراجوز : هو انت خطيبها . طب أنا حبيبها" عبر هذه الكلمات تتخذ "فاطمة" –سعاد حسني- قرارها بالوقوف في وجه العمدة باستخدام الحيلة والمكر، في فيلم "الزوجة الثانية" الذي يظهر من خلاله كيف كان الأراجوز متعة الفقراء، التي تصل إلى الجميع في القرية المصرية . لم يعد هناك مكان للأراجوز في مدينتنا، اختفت المساحات القادرة على احتضان هذا الفن الأصيل من الشوارع، وضاقت على شخوصه الأرض بما رحبت، حتى شارف على الانقراض. منذ 50 عاما، كانت الملاهي الليلية تقدم الأراجوز كفقرة أساسية، ففي ملهى الكيت كات الليلي بحي إمبابة دآب المرحوم محمود شكوكو، علي تقديم فقرة الأراجوز كل ليلة، يبدأها بمونولوج، يعقبه عرض له مع الأراجوز، من لم يكن يستطيع دفع ثمن التذكرة، كان يتسلق الشجرة المقابلة للملهى، ويشاهد العرض مجانا، لكن الملهى لم يعد موجودا، تم هدمه وبناء جامع ابن الوليد مكانه، واختفت فقرة الأراجوز من كل الملاهي. نضب شارعي محمد علي وعماد الدين، المكان الأثير لأي فنان، ومنبع الآلات الموسيقية، لم يعد أي منهما قادر على شحذ طاقة الفنان، أو تمكينه من لقاء غيره من أبناء الكار. كما أن أشهر لاعبي الأراجوز في مصر أحمد زوربة، ونعمة الله العجمي، ومصطفى الأسمر في ذمة الله، لم يتبق منهم سوى "عم صابر" أشهر مقدمي هذا الفن في مصر الآن. كل من كان يمتلك قطعة أرض يعمد إلى بناءها، المتنفس الوحيد لفقرات الشارع وأشهرها الأراجوز أصبح في خبر كان، ولم يعد له مكانا واضحا وسط فقرات المولد والسيرك، اللهم إلا بعض الحفلات المدرسية وأعياد الميلاد وحفلات بعض العائلات الأرستقراطية. "الأراجوز صغير أوي لكن عمره أكتر من ألف سنة، ما بينساش حاجة أبدا، وبيضحك على طول، ومش أي حد يقدر يبقى أراجوز" هكذا يصف ملك الأراجوز في مصر عم صابر المصري أحوال الرعايا في مملكته الكبيرة..مملكة الأراجوز، فقد كان طوال سنوات مضت وسيلة لحث الناس على مواجهة الظلم والقهر، والاقتداء بمكارم الأخلاق، ظهر في أواخر العصر المملوكي، نتيجة للظرف التاريخي القاهر، يخوض هو وزوجته كشكليوز مواقف تزخر بالمفارقات الكوميدية، كان يقوم بوظيفة الصحافة في زماننا، حيث يسرد لمشاهديه الأخبار والظروف بطريقته الخاصة، ويحسب للأراجوز أنه أول من قال "ارحل " حيث ينهي عروضه دائما بطرد الطغاة، ودائماً ما يدخل الأراجوز في صراع مع أحد أطراف القوة أو السلطة سواء كانت اجتماعية متمثلة في زوجته ووالدها أو دينية ممثلة في الشيخ الفضولي، أو السلطة السياسية ممثلة في الشاويش، أو القوي الغيبية الخفية ممثلة في العفريت تأبى مملكة الأراجوز إلا أن تنتصر على الفناء، فلها جنود يدافعون عنها، هؤلاء الذين شاهدوا هذا الفن، وذاقوا متعة الاستمتاع به في طفولتهم، اتجهوا إلى إحياءه في شبابهم، وعلى طريقتهم الخاصة، حيث تجري الآن محاولات عدة لإحياء هذا الفن، سواء كمهنة أو كهواية. أمينة ذكي، مصممة جرافيك، هوايتها لعب الأراجوز، تقدم فقراته بصورة متفرقة، ليس الغريب في أمرها أنها "فتاة" تقدم الأراجوز، ولكن انها تدمج الأراجوز في الثورة، وتحكي على لسانه ما يجري، حكايات الألتراس وأحداث وزارة الداخلية، تقول «المهم يا سيدى، حصلت الثورة. ويوم 25 يناير الساعة 12 بالليل الداخلية نزلت عشان تضرب اللى فى الميدان. يقوم مين اللى يقفلهم؟ الألتراس. عشان همه شباب جدعان ما بيخافوش من حد وما بيهمهمش الضرب»، وعلى طريق كل الأراجوزتية تضع أمينة فكرة عامة، تبدأ الارتجال والسرد على أساسها. قد يغيب عن بعض الهواة أساسيات مثل زمارة الأراجوز أو "الأمانة"التي تتطلب تدريبا خاصا كي يتمكن المؤدي من ضبطها، تلك الأداة التي توضع داخل الفم، كانت قديما تصنع من النحاس، يصدأ و يتسرب للصدر مسببا الأمراض، فتم استبدال معدن الإستانلس، بالنحاس. الأراجوز غير مجز ماديا، ولم يعد متعة لأطفال الفقراء الذين قد لا يسمعون عنه في حياتهم، لكنه يظل موجودا. عادل ماضي ممثل ولاعب أراجوز، يمارس هذا الفن مع أسرته، و يطالب بأن يخصص قسم بمعهد الفنون المسرحية للمسرح الشعبى ومن بين دراسته دراسة الأراجوز، لأنه يعد من تراث مصر الذى لا يحظى بأى اهتمام رغم قيمته، وكونه الوسيلة الأولى للإعلام والتوعية والنقد فى تاريخ مصر. فرقة «ومضة» لفنون الأراجوز وخيال الظل، لمؤسسها ومديرها الدكتور نبيل بهجت، أستاذ المسرح بجامعة حلوان، تحاول بدورها إنعاش هذا الفن عبر العرض الأسبوعي الذي تقدمه كل يوم جمعة في تمام السابعة ببيت السحيمي، والذي يختلط بالواقع المعاش حيث يحمل اسم الفقرة "حكايات الأراجوز والثورة". وعلى المستوى الشخصي عمد الدكتور نبيل بهجت إلى التراث الشفاهي للأراجوز وخيال الظل في كتاب و20 فيلما وثائقيا للأراجوز، وذلك بعد فترة طويلة من البحث والتسجيل استمرت نحو 10 سنوات.