كما كان وسطياً فى كل شىء، فى مستواه الدراسى والاجتماعى والوظيفى إلخ، كان وسطياً فى تدينه.. يواظب على أداء الصلاة فى مواقيتها.. يقرأ القرآن.. يداوم على ذكر الله وطاعته.. كان كذلك يستمع إلى الأغانى وعاشقاً من عشاق أم كلثوم وعبدالوهاب وشادية. وقد رزقه الله سبحانه وتعالى منذ حوالى ثلاثة عقود ونصف العقد بثلاثة توائم ذكور سعد بهم سعادة غامرة هو وزوجته.. وسماهم «محمد وأحمد ومحمود».. وطوال سنوات عمره وهو يُجد ويكافح من أجل تربية وتعليم أبنائه التوائم الثلاثة المتشابهين فى الشكل تماماً. وعندما وصلوا مرحلة الثانوية العامة باع هو وزوجته ميراثها «فدادين زراعية» وعمل عملاً إضافياً حتى كان لا يجد وقتاً للنوم إلا ساعات قليلة حتى مر بهم بسلام وتفوق من مرحلة الثانوية العامة ودروسها الخصوصية.. وقد التحق «محمد» بكلية الهندسة والتحق «أحمد» بكلية الشرطة والتحق «محمود» بكلية الطب.. وقد انهمك «أحمد» فى دراسته بكلية الشرطة، وكان الأب والأم سعيدين لغاية يوم تخرجه وحصوله على الترتيب الأول. أما «محمد» فقد تخرج فى كلية الهندسة، وكان ترتيبه مثل توأمه «أحمد» الأول على دفعته، وقد تم تعيينه معيداً بكلية الهندسة، وكان أصغر من حصل على الماجستير والدكتوراه بها سناً.. وبالرغم من عقله العلمى المرتب وعشقه لعلم المنطق، فإنه كان أكثر أشقائه شبهاً لأبيه وأمه، خصوصاً فى وسطيته الدينية. أما «محمود» فقد تخرج بعد توأميه فى كلية الطب.. ولتفوقه أيضاً عين معيداً.. ثم حصل على الماجستير، ثم افتتح عيادة فى منطقتهم الشعبية.. إلا أن «محمود» ومنذ أن التحق بالجامعة انجذب أو جذبته جماعات الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية إلى صفوفها.. وبالرغم من أنه كان شرهاً فى كل شىء «فى أكله وفى زيجاته الثلاث».. وقد أُلقى القبض عليه مرات عديدة خلال سنوات حكم «مبارك» بتهمة انتمائه إلى الجماعة المحظورة، وكان سرعان ما يغادر السجن ويعود إلى بيته وعمله. وكثيراً ما دارت مناقشات واحتدام فى النقاش والجدل بين التوائم الثلاثة.. وكثيراً ما اتهم الإخوانى شقيقه الوسطى بالسلبية وشقيقه الشرطى بالطاغوت، وكثيراً ما اتهم التوأم الضابط توأمه الإخوانى بالميكيافيلية وبأنه وجماعته يقدّسون تعاليم حسن البنا وسيد قطب أكثر من تقديسهم لتعاليم الله.. وللأسف لم يتفق الثلاثة فى يوم من الأيام وإن كان ودهم، رغم اختلافهم فى آرائهم بينهم، موصولاً.. وكانت ثورة 25 يناير، وكان بزوغ نجم الشقيق الطبيب الإخوانى وانكسار الشقيق الشرطى، وسعادة الشقيق المهندس الوسطى وتفاؤله بمرحلة جديدة مزدهرة.. وكان أن سرق الإخوان الثورة وامتطوها وازدادت سطوة التوأم الإخوانى الطبيب حتى أصبح فجاً غليظاً مغروراً وغامضاً.. وكذلك لوحظ عليه تضخم شديد فى ثروته، وكان أن تحول تفاؤل التوأم الوسطى المهندس إلى همّ وشبه اكتئاب بسبب انحدار الإخوان بمصر.. وكان أن أصاب اليأس التوأم الثالث ضابط الشرطة، وهو يرى مصر من وجهة نظره تضيع على أيدى الإخوان. وكانت ثورة 30/6/2013، فتنفس المهندس الوسطى الصعداء بعد معجزة الشعب المصرى.. وكان أن عادت الدموية إلى وجه التوأم الثانى ضابط الشرطة، وانهمك فى أداء عمله فى حفظ الأمن.. وكان التوأم الثالث من قادة اعتصام ميدان النهضة. وكان قرار فك الاعتصامات.. وكان التوأم ضابط الشرطة ضمن القوة المكلفة بفك اعتصام ميدان النهضة.. وكان التوأم الإخوانى الطبيب من مسلحى اعتصام ميدان النهضة. ودارت المعركة.. وفى مساء نفس اليوم تلقى الأب والابن الوسطى المهندس والأم الخبر المفزع.. التوأمان.. الإخوانى الطبيب.. وضابط الشرطة بين الحياة والموت فى أحد المستشفيات.. وبينما الأب والأم والابن الوسطى يذرفون الدموع وقلوبهم ترتجف على التوأمين اللذين بين الحياة والموت، أثبتت التحقيقات أن الرصاصة التى أصابت قلب التوأم ضابط الشرطة من نفس عيار المسدس الذى تم ضبطه فى يد توأمه الإخوانى الطبيب.. بل الرصاصة التى أصابت قلب الإخوانى من نفس عيار سلاح توأمه الضابط. وما زال الأب والأم مرافقين لتوأميهما الإخوانى والضابط وهما بين الحياة والموت. أما التوأم الثالث فرغم تفاؤله، فإن قلبه يكاد ينفطر حزناً على ما آل إليه حال توأميه، وما آل إليه حال البلاد والعباد.. وإن كان تفاؤله يتضاعف يوماً بعد يوم فى مرحلة جديدة يعمها الاستقرار السياسى والنهضة الاقتصادية والاجتماعية.. وكذلك كله تفاؤل فى شفاء توأميه. ملحوظة: جميع حقوق التأليف والاقتباس محفوظة للكاتب