بدأت «دعوية» وانتهت «إرهابية» سيسجل التاريخ تحت العنوان السابق تلك الجملة: أسس حسن البنا «الإخوان» كجماعة تدعو إلى إصلاح الدنيا بالدين، ليخرج بها التنظيم الخاص عن السيطرة ويحيلها إلى «جماعة سياسية»، قبل أن يغير القطبيون وجهتها صوب «كرسى الحكم» بامتطاء الدين، ذلك الجواد الذى لا يخسر أبداً معركة على أرض مصر المتدينة بطبعها، وما إن وصلت «الجماعة» إلى الحكم حتى أعلنت الإرهاب بشتى صوره -الفكرية والدموية- على الدولة بمبدأ «نحكمها.. أو نخربها». بالعودة إلى الأحداث، كان أمام «الجماعة» خيارات «مفتوحة» لتجاوز أزمة ما قبل 30 يونيو (تغيير حكومة.. تعديل دستور.. دعوة للاستفتاء على بقاء مرسى بالحكم)، غير أن «الجماعة» أصرت -بغباء وصلف ليس لهما مثيل- على أن تصعد ضد الجميع، وتأخذ معها الجميع إلى «حافة الهاوية»، معتقدة أن تطبيق تلك النظرية على الأرض سيردع مؤسسات الدولة، وفى مقدمتها القوات المسلحة، وسيضعها -كما وضعت مجلس طنطاوى وعنان من قبل- رهينة لسياسة «الأمر الواقع»، ولم يكن ذلك ممكناً بعد أن سبقها الواقع للتغيير. صحيح أن «الجماعة» لو لجأت لأى من خيارات حل الأزمة كانت ستخسر ما تحت قدميها، لكنها ستكسب على المدى البعيد، فسلسلة الفشل -حتماً- كانت ستكبل أى نظام حكم يأتى بعدها، خاصة أن البديل المتاح متمثلاً فى جبهة الإنقاذ كان سيحتاج لمن ينقذه من الألغام الداخلية المزروعة فى رءوس قياداته وجنبات أحزابه، بالإضافة إلى استمرار امتلاك الإخوان -كمعارضة سيدعمها وقتها معظم الإسلاميين- لأسلحة قوية تضمن لها إفشال أى نظام فى ظل الظروف الراهنة للدولة، ومن ثم العودة مرة أخرى للحكم بعد تدارك أسباب الفشل الأول (ما حدث فى تركيا نموذجاً). الآن، لا تملك إلا أن تقف ضارباً كفاً بكف من فرط عدم الاستيعاب أمام كل هذا الغباء المتغابى فى مستنقع الأغبياء، ف«الجماعة» المتأرجحة على حافة السقوط بدلاً من أن تحاول التشبث بأى «طوبة سلمية» تنقذها من المصير المحتوم، إذ بها تتشبث بأقدام الدولة فى محاولة مستميتة لجرها -معها- إلى هاوية الفوضى. التفسير الوحيد لذلك هو أن «الجماعة» لا يمكنها حكم دولة متماسكة، فإما «الأخونة» لكل المؤسسات من الجيش والقضاء إلى الشرطة والإعلام، أو نشر الفوضى لهدمها وتسويتها -مع الدولة- بالأرض والعودة لبناء «الدولة الإخوانية مكتملة الأركان» على أنقاض الدولة المصرية. إذن، المشهد الحالى بالغ الوضوح: نحن أمام جماعة فقدت ما تبقى لها من عقل، وتنطح رأسها بكل ما أوتيت من قوة فى جدار الدولة لهدمه، فإذا ما بقى الجدار -وهذا هو الأقرب للتحقق- صامداً أمام تلك المحاولات الجنونية، سيظل دم «الجماعة» -وليس أبناءها فحسب- ينزف حتى تفارق حياتنا السياسية إلى غير رجعة، وتتحول إلى جماعة إرهابية مطرودة من رحم الوطن.. وصفحات التاريخ. يا جماعة: «الإخوان» ليست ديانة حتى تتسابقوا على الشهادة تحت لوائها، وجيش الوطن ليس عدواً حتى تصوبوا أسلحتكم صوب جنوده، والمساجد إنما هى بيوت لعبادة الله عز وجل، وليست أماكن تكدسون بها جثث من نحسبهم عند الله شهداء لتنقل قناة الفتنة صورهم إلى عالم طالما وصفتموه ب«الكافر»، والكنائس التى تحرقونها وتستبيحون أرواح مَن بداخلها إنما هى دور عبادة لأهل الذمة الذين أوصانا بهم الرسول خيراً. اعلموا أن كل رصاصة تطلقونها بهدف الدفاع عن الإسلام إنما تستقر فى قلب دين الله الحنيف، وكل حريق تشعلونه يكوى إخواناً لكم.. كل ذنبهم أنهم ليسوا فى «الجماعة». أفيقوا يرحمنا ويرحمكم الله.