طالب الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية، بوضع عقد اجتماعي يشارك فيه المصريون جميعًا ويلتزمون به أمام الله والالتزام بنشر الوئام بيننا أولا، وألا نسمح تحت أي ظرف من الظروف تحويل الوضع بيننا إلى دائرة مغلقة من الثأر والثأر المضاد في هذه المرحلة الحرجة. وأكد، في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تحت عنوان "من مصر نداء من أجل السلام"، أن مستقبل مصر بيد المصريين وحدهم وهم قادرون على حل مشكلاتهم، وأن شعب مصر في حاجة ماسة إلى التضرع إلى الله، وتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية بين جميع أطياف المجتمع وهو أمر ملح للغاية، وعلينا السعي وبسرعة نحو إيجاد حل سياسي حقيقي للأزمة الحالية إذا ما أردنا تجنب المزيد من إراقة الدماء. وأشار مستشار مفتي الجمهورية، في مقاله الذي نقله بيان لدار الافتاء اليوم، إلى أن مشاهد العنف والجثث التي ملأت أرجاء مصر تدمي القلوب وتوجعها؛ لما فيها من إزهاق لأنفس اعتبرها الدين الإسلامي بنيانًا للرب عز وجل، محذرًا من أن هذه الأحداث لها تداعيات بعيدة المدى والتي يمكن أن تؤثر على النسيج الوطني للمجتمع المصري لو لم يتم تداركها في الوقت المناسب. كما شدد على ضروة إدانة كل مشاهد العنف المؤسفة، لأن العنف لن يحل مشاكلنا بل على العكس، سوف يؤدي إلى تفاقم وترسيخ حالة الاستقطاب بين كلا الطرفين، وأن الأمر الوحيد الذي سيوحي بإحراز تقدم في حل تلك الأزمة، هو إبداء رغبة حقيقية للحفاظ على مصالح مصر العليا وليس المصالح الفردية أو الأيديولوجيات. وأكد مستشار مفتي الجمهورية، في مقاله للصحيفة الامريكية، أن استعادة دولة القانون والنظام لا يمكن أن يتحقق عن طريق اللجوء إلى الإجراءات الأمنية وحدها، ولكن يجب أن يتم ذلك بالتوازي مع تحقيق المصالحة الوطنية بين جميع الفصائل والأطياف السياسية، والتي لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال إرادة حقيقية وإدارة جيدة. وأوضح الدكتور نجم أن مصر التي شهدت بعض مظاهر الفرح والتشفي في صور جثامين القتلى ليست مصر التي نعرفها ونرجوها، أو التي ينبغي أن تكون، فالمسلم لا يتصرف دون مراعاة القيم الأساسية للحياة، مبينًا أن الآن هو الوقت المناسب لنتكاتف سويا لإنقاذ بلادنا من مزيد من التدهور والأزمات - سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو أخلاقية - فتعاليم الدين الإسلامي تؤكد أنه على الرغم من أن البشر قادرون على سفك الدماء، فإنهم أيضًا قادرون على الارتقاء والسمو بأخلاقهم والثبات على القيم الإنسانية. وحول الاعتداءات التي وقعت على الكنائس في عدد من محافظات مصر، أشار نجم إلى أن تخريب الكنائس ومهاجمتها وحرقها أمر مؤسف وتزيد من مشاعر القلق الطائفية وتحمل المواطنين المسيحيين عبئَا، نشاركهم فيه كأبناء وطن واحد ننتمي جميعنا إليه، وأكد أن هذه الهجمات التي قامت بها عناصر متطرفة على الكنائس فضلًا عن اعتداءات على منشآت عامة وخاصة، لا يمكن أن تصدر عن شخص مسؤول أو يهتم أصلا بالدين أو الوطن، ولكنه عمل خسيس قامت به أيادٍ آثمة وضعت مصالحها وأيدلوجياتها فوق كل اعتبار. وأوضح الدكتور نجم في مقاله أن هناك العديد من علماء الإسلام في مصر مثل فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، قد تحدث مرارًا وأدان صراحة وبشدة استهداف دور العبادة، واصفًا ذلك بالأمر المُحرم، وأن الطائفية معكرة لصفو السلام والانسجام المجتمعي الذي يؤكد عليه الإسلام، وأن إثارة النعرات الطائفية أو المشاركة في أعمال عنف ضد أصحاب الديانات الأخرى هو أمر يتنافى مع جوهر التعاليم الإسلامية، التي حثنا عليها قدوتنا نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي أرسله الله رحمة للبشرية جمعاء. وشدد مستشار مفتي الجمهورية على أنه علينا الآن أن نعيش هذه التعاليم الإسلامية بشكل جدي من أجل رفعة مصر، وأن نواجه وبكل قوة كل من يحاول إثارة الفتنة بين الشعب المصري، مؤكدًا ثقته في أن تلك القوى التي تسعى لتقسيم المصريين أو إغراقهم في أوحال حرب أهلية سيفشلون في نهاية المطاف، لأن مصر كانت رمزًا للتعايش لقرون عدة وستظل كذلك بفضل الله. وأوضح أن هذا هو الوقت المناسب للعمل سويًا على تحقيق الأهداف المشروعة لجميع المصريين من استقرار وأمن وكرامة، ومصالحة وطنية وعدالة اجتماعية، محذرًا من مغبة عدم البدء في تحقيق هذه الآمال التي طالما انتظر الشعب تحقيقها، مضيفًا أن أي شيء أقل من هذه الأهداف سيكون انتكاسة كبيرة للأمة المصرية.