إذا قلبت النظر فى صفحات تاريخ المصريين ستجد أسبابا كثيرة تضيع الأمم وتسرقها بعيداً عن ركب الحضارة، ستجد مزيجاً غريبا فى تلك الشخصية التى تتباهى دائما بأنها من بلاد مهد الحضارة دون أن يعتريها الألم أن تلك الحضارة التى صنعها أجدادها رحلت عن تلك الأرض ولم تعد ولا يساورها حتى الحزن أنها أحد أسباب عدم عودة الحضارة لتلك الأرض! قد تكون كلماتى صعبة عليكم وعلىّ، لكن أرى أننا علينا أن نمارس دور الجراح ونستأصل تلك الصفات السيئة التى تسكن شخصيتنا المصرية حتى نستطيع العودة إلى ركب الحضارة، ومن أهم تلك الصفات التى يجب استئصالها هى الكسل. الكسل كلمة بسيطة كلما نسمعها لا تذكرنا بواقعنا الحالى ولا تؤنبنا لمستقر مصر فى بحر ظلمات الجهل، بل تأخذنا إلى أيام الطفولة وأحد دروس القراءة التى يبدو أنها مرت علينا دون أن نتعلم شيئا لسوء التعليم فى مصر.. فالكسل يبدو كأنه مرض جينى أصاب المصرى منذ سقوط الدولة الفرعونية واستمر ذلك المرض يستفحل داخل ملامح الشخصية المصرية ليكون السبب الرئيسى لوضعنا بعيدا جدا عن ركب الحضارة. حيث كان المصرى القديم رمزا للنشاط والسعى أما الآن أصبح المصرى الحاضر كسولاً لا مبالياً لا يأبه للوقت، ولم يحدث ذلك بمحض الصدفة بل كان ذلك التشوه فى ملامح الشخصية المصرية وليد سنين المعاناة والمعاملة السيئة من نهاية العصر الفرعونى إلى عصر البطالمة إلى عصر الرومان الذى أدى فى النهاية إلى ظهور الشخصية المصرية كسولة لا تحاول أن تغير مجرى الدنيا كما فعل أجدادها.. وإن استثنينا بعض الفترات التاريخية المضيئة فى الحضارة الإسلامية فى مصر والمعارك العسكرية التى لا نعرف غيرها فى تاريخنا نتيجة التعليم السيئ، سنجد أنه منذ سقوط الدولة الفرعونية تخلف المصرى عن ركب صنع الحضارة والتأثير فى الفكر البشرى وقيادة الدنيا إلى المعرفة والحكمة، واتجه بدل ذلك إلى الجلوس لسماع السير والحكايات وممارسة الألعاب والاستسلام للمستبد مهما كان انتماؤه إلى وطن آخر، حيث ظل المصرى مستسلما طائعا وبالأحرى كسولا جدا حتى فى قول كلمة «لا»، واتضح ذلك جلياً فى كم المستبدين الذين حكموا مصر، وإن قالها يدافع عنها للحظات ثم يرحل بصمت إلى سريره لأنه تعب ويترك كل شىء، ولنا عبرة فى الثورة العرابية كيف انتهت.. ولكن مع كل هذا التشوه تأتى لحظات تستيقظ فيها روح المصرى القديم فى قلوب كل المصريين فيهبوا ليحاولوا أن يعودوا لقيادة الركب وتغيير مسار الحضارة، ومن تلك الهبّات كانت ثورتنا، لذا علينا أن نستفيد ولا نلجأ للراحة والكسل وننساها بعد أول عثرة كما حدث مع ثورات السابقين فى عمق تاريخنا، يجب أن نفهم أننا ولدنا لكى يموت الكسل فى قلوبنا ولتعود مصر كما كانت قائدة للدنيا.. ولكى ننجح فى طريقنا الطويل علينا أن ننهى ذلك الكسل الذى يسكن ملامحنا عبر التاريخ، علينا أن نفهم أن الكسل أضاع فرصاً كثيرةً على مصر كانت ممكنا أن تعود بها كما كانت ولكن فقط ذلك المرض وحده أضاعها.. لذا علينا أن نرسم طريقنا بعيداً عنه وأن نستيقظ ونرمى ما بداخلنا من حكمه الوراثى، نطرحه بعيدا عن قلوبنا لأن القلوب التى يسكنها الكسل لا تستطيع أن تبنى الحضارة التى نبغيها. علينا أن نقوم فنصلح مع من سيصلح مصر وينفذ مبادئ ثورتنا وحلمها الأعظم فى أن تكون دولة ديمقراطية مدنية تحترم الحريات وتسعى لقيادة العالم فى يوم من الأيام، وأن نقول «لا» ولا نخضع لكسلنا عن قولها لمن سيضيع مصر ويطمس هويتها ولا يحقق حلمنا ويقزم مصر أكثر مما كانت فى عصر مبارك ويحتكر السلطة فى فصيل سياسى واحد سواء كان تيارا دينيا أو مدنيا، فمصر لكل المصريين. وعلينا أن نرسم طريقنا فرادى فنبنى مستقبلنا ولا نضيع الفرص السانحة فى حياتنا من أجل بعض الكسل، لتلتقى كل الطرق فى النهاية فى طريق بناء مصر دولة الحضارة الحديثة.. وفى الأخير علىّ أن أنصح نفسى وأنصحكم.. ألا تكن كسولاً.. فتلك الأيام فى تاريخ مصر تحتاج إلى قلوب لا تعرف أن تضيع لحظات فقط من العمر فى الكسل.