إن القلب هو رمز الحياة فى أى جسد؛ فعندما يتوقف القلب عن النبض يموت الجسد حتى لو أن بقية الأعضاء سليمة. إن الشارع فى مصر هو القلب بل هو نبض القلوب جميعا.. «أتريد معرفة أحوال المصريين وتتعرف على أفكارهم وتلمس معاناتهم؟».. انزل إلى الشارع.. تحدث إلى صاحب الكشك، إلى سائق الأوتوبيس، انظر إلى وجوه المارة.. المارة هنا تعنى المارة والمارات، الفتيات والسيدات، المحجبات وغير المحجبات، صاحبة الشعر الأصفر وصاحبة الخمار الطويل.. فكيف يكون للشارع مالك واحد أو فئة واحدة تستأثر بملكية الشارع المصرى بحجة تطبيق شرع الله.. أليس من حق غير المحجبات الاستمتاع بحريتهن فى شوارع بلدهن، فهن مصريات أبا عن جد، ليس لهن أصول أجنبية، ولا يهدفن من المشى فى الشوارع إلى إثارة غرائز الرجال.. فإنهن فقط يمشين فى ملكهن.. يذهبن إلى مشوار أو عمل أو حتى يتنزهن، يتأملن البحر أو النيل؟ فما كل هذا التفزيع والترويع ومحاولة التلويح بحرمانهن من هذا الحق، فقط لأنهن خرجن عن الشكل الإلزامى -من وجهة نظر هؤلاء المتشددين- أو بمعنى أكثر دقة هؤلاء الذين يتدخلون فى شئون لا تخصهم على الإطلاق.. فى رأيى إن التفكير كثيرا من قبل البعض فى جسد المرأة وعورة المرأة وحجاب المرأة وإخفاء المرأة من الوجود، إلا عندما يحتاجون إليها، هو نوع من أنواع المبالغة.. ولمن يعانون من هذه المبالغة فى التفكير أن يحاولوا النظر إلى المرأة فى الشارع بشكل مجرد، فليتخيلوا أنها مجرد كائن عابر أو أنها مخلوق ذو ترددات أخرى كالجان مثلا لا يستطيعون التعامل معها أو حتى رؤيتها!! وبهذا يستريحون من كثرة التفكير فى كيفية تغطيتها أو إخفائها.. هذا ليس استهانة بتعاليم الدين الموجودة فى الكتب، والأعرف بها هم شيوخ الأزهر والدارسون للدين من وجهة النظر المعتدلة، فإن الحجاب فرض فى الإسلام ولكنه فرض من الله سبحانه وتعالى -ليس إجبارا من الناس- مثل الصلاة.. فهل أحد يملك أن يجبر أحدا على الصلاة؟.. هل يتم الركوع والسجود بتهديد السلاح؟ أو التلويح بالأذى إذا لم تتم تلك العبادة! أم أن الله ترك الأمر لاختيار كل إنسان.. هل هناك جيوش مسلحة توقظ الناس من نومها ليصلوا الفجر.. أم أن المؤذن يقول فى تهذب «الصلاة خير من النوم»، فالكل يعرف أن الصلاة خير من النوم ومع ذلك هناك من يصلى وهناك من يظل نائما.. فالخالق يرى ويسمع ويعرف ما هو ظاهر للناس وما هو خفى فى نفوس البشر.. يعرف من يقوم الليل دون أن يراه الناس ويعرف من يصلى أمام الناس وينسى الصلاة فى عدم وجودهم.. يعرف من تلتزم بالحجاب من أجل إرضاء الله ومن تتحجب بالإجبار أو لمجرد إرضاء الناس.. فإن الاختيار نعمة من الله ليس من حق أى أحد أن يحرمنا منها.. وليس من حق أحد أن يضع التعاليم الدينية فى قوالب مجتمعية إجبارية.. إن الطريق ليس مكانا للوعظ، الشارع ملك للجميع، وبنات مصر -مسلمات أو مسيحيات- اللاتى يمشين فى الشوارع المصرية كل يوم، هن الأجدر بالحفاظ عليها وهن الأحق بالحصول على حريتهن فيها دون تخويف أو إرهاب لأنهن الأضعف بطبيعتهن الخلقية.. أما إذا تمادى هؤلاء المتأسلمون أو المتشددون، فإن بنات حواء سيكنّ الأشرس فى الدفاع عن حريتهن وملكيتهن للشارع المصرى.