"يعني إيه كلمة وطن؟ يعني أرض.. حدود.. مكان.. ولا حالة من الشجن" كلمات أبدعها الرائع مدحت العدل كتابةً، وأتقن غنائها الجميل محمد فؤاد، تعالى صوته بشجنه المعهود متغنيا بتلك الكلمات واصفا في روعة كلمة الوطن في نظرة بسيطة، في تلك التفصيلات اليومية في أنقى صورها، وصف الوطن بإحساس الحياة اليومية بين أبنائه. "الوطن" تلك الكلمة الغائبة جدا حاليا، وتناقضت معانيها ووصفها، فبعضهم وصف الوطن بأنه حالة المِلك أو الأبعدية قديما، منطق السادة والعبيد، هؤلاء أعلى من غيرهم، هؤلاء أحق من غيرهم، يعتبرون أنفسهم محور الوطن، دونهم لن تقوم للوطن قائمة، منطق أبناء "الناس النضيفة"- كما يطلقون على أنفسهم- ومناقضيهم وصفوا الوطن بأنه الطبقة الكادحة، المعذبون في الأرض كما سمعتها نصا طبقة المهمشين، الغائبة عنهم أساسيات وجودهم الآدمي مسكن حتى أو عمل. وبعضهم وصف الوطن بأنه التاريخ بأصالته وعراقته، كنا كبارا وعظاما، كنا حضارة غزت العالم أجمع، حيرت التاريخ نفسه بما فيها من علوم وتطور وألغاز، كنا متفاهمين، كنا متعلمين، كنا وكنا وكنا، لكن أين أصبحنا؟ ومناقضيهم من وصفوا الوطن بأنه المستقبل، ذلك الوطن الذي سيضاهي كبريات الدول، وسينضم لمصاف الدوري الممتاز في سباق تنافسات القوى الدولية. وبعضهم وصف الوطن بأنه الشباب، الروح الفتية، المجاهدة، تلك الأيادي والسواعد المقاتلة في سبيل اعلاء الوطن ورفعة أراضيه.. ولا مكان اذا للعواجيز كما أسمو الفريق الآخر، ومناقضيهم من ينظروا اليهم على أنهم العيال عديمي الخبرة في الحياة الاجتماعية أو العملية أو حتى العلمية، الحالمين كثيرا والغير واقعيين. تعددوا، اتفقوا، واختلفوا، إلا أن جميعهم تبنى وآمن أنه هو الوحيد والأوحد، غفلوا جميعا أننا من الصحي والطبيعي أن نكون جميعا مجتمعين، نتفق أن ننهض بوطننا أو نتفق أن نعيث فيه خرابا حتى أن نتفق أننا مختلفون. وبنظرة أخرى، تجد كل طرف يعيب الآخر أنه سبب غياب معنى الوطن، ولا يوجد أي منهم يقوم بأبسط صور وجوده، نعيب دائما المجتمع، ونحن نمثله. أسأل جميع الأطراف حاليا، من منكم شعر في داخله أن الآخر له حق مثل حقوقه وعليه واجبات مثل واجباته؟ من منكم شعر حقا بفائدة من كلام الآخر ووجوده فانصت له ليفهم وجهة نظرة حقا، لا يستمع لمجرد أن يرد أو يخرجه من المناظرة مخطئا؟ من منكم ترك تلك سيارته الفارهة وذلك المكتب المكيف هوائه ومشى وسط البقية استمع لهم وأراد لهم الإصلاح إن استطاع؟ من منكم قدم إحسانا لمن حوله ليرد له ذلك الإحسان؟ إما في صورة علم ينفع الناس أو مساعدة بأي من صورها أو بكلمة خفيفة بسيطة أو حتى بابتسامة صدقة، من منكم أراد أن يخصص يوما من حياته فقط ليساعد الناس دون مقابل في أي مجال؟ من منكم شعر بتلك المعاناه التي دفعها ذلك الغني ليصبح غنيا؟ ومن منكم شعر بتلك المعاناه أيضا التي دفعها الفقير من فقره؟ من مِن الشباب الفتيّ ذهب للعجوز ليستقي الخبرة؟ ومن مِن كبار السن استقبل عيل شاب ليسقيه خبرته ليستمر عمله وإرثه؟ من منكم أراد أن يعرف وطنه حقا من تاريخ وعراقة وفي نفس الوقت عمل حاضرا ليكون له مستقبل؟ من منكم أحب وطنه حقا؟