عم صيام يزورنا كل يوم فى نهار رمضان، يفرح بكل الأصدقاء الصائمين، يتجول معهم من عصر لعصر، ومن مكان لمكان.. نطوف معه لنتعرف على شخصيات وحكايات حدثت فى زمن مضى وفات، واليوم يأخذنا عم صيام لرحلة مدهشة ومغامرة مثيرة من دون جواز سفر، أو حقيبة، أو تذكرة طائرة، تستطيع يا صديقى القيام بهذه المغامرة والرحلة التى قام بها أشهر سائح فى التاريخ وكان جواز سفره هو كتابه الذى رافقه فى رحلات لم يكن السفر سهلاً فيها، بل كان رحلة مليئة بالمخاطر وسط الصحارى الموحشة، والبحار العاصفة. فى القرن الرابع عشر الميلادى، كان مهد هذه الرحلات التى قام بها أمير الرحالة المسلمين كما وصفته جامعة كامبريدج البريطانية، إنه أبوعبدالله محمد بن اللواتى الطنجى، الذى يشتهر باسم «ابن بطوطة». وُلد ابن بطوطة بمدينة طنجة بالمغرب عام 703 هجرية 1304 ميلادية، ورحل بطنجة عام 770 هجرية 1378 ميلادية. ورغم رحيله منذ أكثر من ألف عام فإن ذكراه ما زالت نابضة بالحياة، والفضل يرجع للكتاب الذى يحكى لنا رحلاته وذكرياته، (تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) الذى يروى لنا قصة صاحبه الرحالة العربى ابن بطوطة، فيقول إنه خرج من بلدته طنجة للقيام بفريضة الحج، وبقدر إيمانه العميق بالله كان شغفه بالعلم والمعرفة واكتشاف المجهول، فبعد أدائه فريضة الحج بدأ ابن بطوطة أطول رحلة قام بها رحالة فى العصور الوسطى قطع فيها 175 ألف ميل، أى ثلاثة أضعاف ما قطعه الرحالة الإيطالى «ماركو بولو»، تنقل بين المحيطين الهادى والأطلسى فى أفريقيا وآسيا وأطراف أوروبا، زار خلالها 44 بلداً واستغرقت رحلته 29 عاماً، عاش خلالها بين الناس يرحل مع القوافل، ويتجول فى الأسواق، يرصد العادات والتقاليد ويرسم الأزياء ويتذوق أنواع الطعام فى كل البلاد؛ لذلك فكتاب ابن بطوطة، الذى يحكى لنا عنه ومنه عم صيام، موسوعة فى علم الجغرافيا والتاريخ وعلم الاجتماع.. تنقل ابن بطوطة من المحيط الأطلسى غرباً إلى بحر الصين شرقا، ولأن عينه كانت كعدسة الكاميرا تسجل وتلتقط ما تراه، احتفظ بتفاصيل رحلته وأملى مشاهداته على كاتب بتكليف من السلطان أبى عنان، حاكم المغرب، ليخرج للنور كتاب اليوم (تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) الذى كان شاهداً على اكتشاف بعض المناطق الأفريقية جنوب غرب الصحراء مثل «مالى» التى رسم ملامحها الجغرافية والبشرية، ومن صحراء أفريقيا يأخذنا عم صيام لثلوج سيبيريا، أو أرض الظلمات كما كانت تسمى قديماً، التى كان ابن بطوطة أول من اكتشفها ومنحها شهادة ميلادها. وبالرغم من أن ابن بطوطة وماركو بولو قاما برحلتيهما فى أزمان متقاربة، وأملى كل منهما مشاهداته على كاتب محترف، فإن ابن بطوطة، بشهادة المؤرخين، فاق الرحالة الإيطالى فى دقة وصفه ورشاقة أسلوبه ونظرته العميقة؛ فكلاهما زار الصين إلا أن ابن بطوطة رسم لنا لوحة للصين دقيقة التفاصيل، خاصة مقاطعة سيشوان، صاحبة أول عملة نقدية فى التاريخ، التى وصفها بدقة بالغة. كتاب ابن بطوطة تُرجمت صفحاته عدة مرات بعدة لغات وصدرت فى أربعة مجلدات، ما أحوجنا يا صديقى لروح ابن بطوطة التى نقلها إلينا صديق اليوم كتاب «تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» روح تنبض بالحماس ورغبة فى المخاطرة والاكتشاف جعلتاه بلا منازع أعظم رحالة فى التاريخ.