العشم، كلمة عصية على التعريف الجامع المانع، لأنها تحمل العديد من الدلالات، فهى قد تعنى الأمل المشفوع بالرجاء والتمنى.. وقد تعنى أبعد من ذلك بأن تحمل لمسة تفاؤل، وإن ظلّت تحمل رغبة إيجابية فى توقع حدوث ما نأمُل حدوثه، فهى كلمة حميمية تلخص علاقة إنسانية بين طرف أو أطراف، وربما كان التعبير الشائع «عشمنا فى الله كبير» بما يحمله من معنى هو الأقرب إلى وصف الكلمة التى اختارتها المخرجة الشابة «ماجى مرجان» عنواناً لفيلمها الروائى الطويل الأول بعد تقديمها لعدد من الأفلام القصيرة طرحت اسمها كواحدة من أبناء وبنات الجيل الجديد من السينمائيين الذين يتبنون سينما مختلفة تبحث عن الاستقلال والخروج من عباءة نظام الإنتاج السائد بشروطه المتعسفة وتسعى لتقديم صيغ جمالية وأساليب جديدة فى التفكير وطُرُق السرد تتجاوز التقليدى والمألوف، مبتعدة -بقدر الإمكان- عن نظام النجوم بمقتضياته على أن تنفذ أعمالها بأقل تكلفة ممكنة. و«عشم» نموذج لهذه السينما المستقلة حيث يتناول ست حكايات أو ست قصص قصيرة عن شخصيات تحيا على أمل ما، تتمنى أو تتعشم أن يحدث، سواء كان أملاً بسيطاً ومحدوداً لكنه يمثل قيمة كبرى وتحقيقاً للذات كحلم عاملة المستشفى ابتسام (منى الشيمى) فى أن يعترف بها المجتمع كممرضة بأن يذكر ذلك فى بطاقة الرقم القومى، وهى تتعشم، بأمل خافت، أن ينتبه د. مجدى الطبيب بالمستشفى لتعلقها به بينما هو مشغول بمستقبله الذى يتصور أنه سوف يتحقق بسفره إلى أمريكا لثلاث سنوات، بينما تقنع «ابتسام» برعاية والدته المسنَّة.. أو متعلقة -فى حكاية ثانية- بأمل أن يُنعم الله على نادين (أمينة خليل) بالإنجاب الذى تعذر لفترة طويلة رغم المحاولات الطبية المتكررة فتتعشم بزيارتها للكنيسة -وهى المسلمة- أن يستجيب الله لدعواتها ولوساطة السيدة العذراء، وهو سلوك مرتبط بثقافة مصرية خالصة فالدين عند المصريين لله حتى لو اختلفت العقائد، وداخل الكنيسة، تشاهد فى صدفة متعمدة من المخرجة، تشاهد نادين نادية (نهى الخولى) زوجة المحاسب عماد (محمود اللوزى) وهى تتضرع إلى «يسوع» أن تأتى نتائج التحاليل التى يجريها زوجها إيجابية. فى الحكاية الرابعة، نتابع الفتاة الريفية رضا (نجلاء يونس) القادمة ببراءتها وعفويتها من إحدى المحافظات القريبة من العاصمة فى رحلتها من العمل فى تنظيف حمام للسيدات فى مركز تجارى كبير، وعلاقتها بموظف الأمن مصطفى (على قاسم) التى تشكل قوة نفسية دافعة لتغيير حياتها ومهنتها إلى أن تعمل بائعة فى محل للملابس، وهى برغم ما تعانيه من قسوة الريّسة أم عطية (سهام عبدالسلام) فإنها تكن لها حباً فطرياً يسهم فى استخراج مساحة الحنان والدفء المختفية وراء قناع القسوة والغلظة عند «أم عطية»، وبسببها يطمح «مصطفى» إلى أن يغير عمله ويؤسس شركة صغيرة للنقل. فى مقابل قوة الحب والتعاطف والتآلف، يقدم السيناريو حكايتين مرتبكتين عن الانفصال الذى يشكل الوجه الآخر للعلاقات، فتقرر فريدة (مروى ثروت) إنهاء علاقتها بشريف (سيف الأسوانى) لشعورها بارتباطه الوثيق المرضى بأمه (سلوى محمد على) التى بدورها لا تروق لها هذه العلاقة، فى حين يخبر أشرف (هانى سيف) عمه برغبته فى فسخ خطوبته من ابنته داليا (سلمى سالم) حتى لا تكون عائقاً فى طريق تحقيق حلمه بالسفر إلى ماليزيا! إضافة إلى الحكايات الست المتراوحة بين الارتباط والانفصال، التى تسير فى خطوط متوازية لا تتقاطع، يضيف السيناريو شخصية عشم (شادى حبشى) الشاب الريفى القادم إلى القاهرة بحثاً عن الرزق، المتنقل بين أعمال صغيرة مختلفة، وهو فى الفيلم يشكل خيطاً واهياً بين أبطال الحكايات فهو تقريباً الذى يتصادف أن يلتقى، أو تلتقيه إحدى الشخصيات دون أن يكون لذلك أثر درامى.. فى السيناريو الذى كتبته ماجى مرجان، المخرجة، لا تتداخل الشخصيات أو تتقاطع مصائرها، وتنتفى فكرة الصراع الدرامى، فيبدو الأمر وكأننا أمام ست لوحات أو حالات منفصلة تجمعها المدينة المتسعة، تعرض علينا همومها ومشكلاتها أو أشواقها وتعشُّمها دون أن تسعى المخرجة لتعاطف المتفرج أو تماهيه، فهى تقف تقريباً على مسافة واحدة من شخصياتها بطُمُوحاتها وعذاباتها.. كما أنها لم تنشغل بإنهاء الحكايات وتركت النهايات مُعَلَّقة دون تحديد لمصائر شخصياتها فهل سيسافر مجدى أو أشرف وهل ستستمر العلاقة الوليدة بين رضا ومصطفى أو ستنشأ علاقة جديدة بين ابتسام وعشم حين يلتقيان فى نهاية الفيلم أو أن نتيجة التحاليل الطبية كانت إيجابية بالفعل؟ فنحن دائماً بين الشك واليقين.. وهو نوع من الكتابة يمكن أن يمتد لعشرات الساعات ويتسع لمئات الحكايات والقصص التى توجد فى الحياة دون أن تلتقى أو تتواجه! حاول المونتير أحمد عبدالله أن يربط صُوَرِياً بين الحكايات وأن يجعل من «العشم» رباطاً واهياً ومن «عشم» نقطة تماس، ونجح إلى حدٍ ما فى أن يثير اهتمام المشاهد للمتابعة وإن تسبب نقص المادة الفيلمية -فيما أعتقد- فى بعض الارتباك للمشاهد لمتابعة حركة الشخصيات، إضافة إلى اعتماد المخرجة على أسلوب ارتجال الحوار أثناء التصوير مما أثر على فكرة الإحكام، خاصة أن معظم الممثلات والممثلين ليس لديهم الخبرة الكافية فكثير منهم يقف أمام الكاميرا لأول مرة، وإن تبدت عذوبة نجلاء يونس (رضا) واجتهاد شادى حبشى (عشم) وموهبة منى الشيمى (ابتسام) وحضور سهام عبدالسلام (أم عطية). إننا أمام محاولة طَمُوحة -ربما لم تُعزِّزْها القُدرة- لتقديم بانوراما كاملة للمجتمع المصرى بأطيافه المختلفة، وطبقاته الاجتماعية المتعددة، وأجياله المتوالية، وأديانه المتآلفة، وثقافته المشتركة، وأحلام وأشواق مواطنيه الذين يتعشمون خيراً فى مستقبل أفضل لهم.. وللوطن.